قانون الاستملاك في سورية.. ثغرات ووعود وظلم للمواطن !

 يمكننا أن نعرّف الاستملاك بأنه نزع الملكية الفردية لصالح المنفعة العامة، بواسطة إجراء إداري يقصد به نزع مال عقاري قهراً عن مالكه بواسطة الإدارة، لتخصيصه للنفع العام مقابل تعويض عادل يُدفع له. ومن خلال هذا التعريف يمكننا أن نلاحظ أنه يتطلب توفر عدة شروط:

يتعلق الشرط الأول بالمحل أو الموضوع، فالاستملاك ينصبّ على العقارات المادية دون غيرها من الأموال، وبالتالي فالمنقولات والعقارات الحكمية (كحق الانتفاع وحق الارتفاق) لايمكن أن يطبّق عليها الاستملاك. وهذا ما أكدته المادة 2 من قانون الاستملاك الصادر بالمرسوم رقم 20 لعام 1983 الذي يُعمل به حالياً. والشرط الثاني يتعلق بالغرض من الاستملاك، إذ لا يجوز الاستملاك إلا للمنفعة العامة، وبالتالي لا يجوز استخدام هذا الحق إلاّ من أجل تحقيق المنفعة العامة. أمّا الشرط الثالث فيخصّ حقوق الأفراد، إذ يجب تعويضهم تعويضاً عادلاً مقابل نزع ملكيتهم. وطبعاً كما هو ملاحظ فإن الشرطين الأخيرين يستمدان جوهرهما من الدستور: (لا تنزع الملكية الفردية إلاّ للمنفعة العامة ومقابل تعويض عادل وفقاً للقانون).

طبعاً العلاقة بين الدولة والمواطن تحكمها القوانين التي تضمن حقوق الدولة وحقوق المواطن بحيث لا يُهضم حق أيّ منهما بشكل يخالف هذه القوانين ومن هنا هل يمكننا أن نسلّم بأن الاستملاك يضمن حق المواطن أم أنه اعتداء على هذا المواطن وانتقاص من سيادته على ما يملك؟!. كلنا نعلم أن الدولة تحتاج إلى مواطنيها أثناء تنفيذ المرافق العامة والخدمات ممّا يضطرّها للمساس بالملكية الخاصة للأفراد، ولهذه الغاية أعطيت عدّة امتيازات لا يمتلكها الأفراد، ومن أهم هذه الميزات الممنوحة حرمان المواطن من عقاراته عن طريق نزع ملكيتها، ولذلك  جاءت القيود الخطيرة على حق الملكية الخاصة التي تسمح بإرغام الأفراد على التنازل عن ملكيتهم الخاصة تلبية للحاجات العامة ولتنفيذ المشاريع ذات النفع العام، وهذا ما استدعى الحاجة إلى مبدأ نزع الملكية للمنفعة العامة الذي نحن بصدد الحديث عنه والذي يدعى (الاستملاك). ولكن من هي الجهات التي يحق لها استخدام هذه الميزة؟!.

نصت المادة 2 من قانون الاستملاك المذكور على أنه (يجوز للوزارات والإدارات والمؤسسات العامة والجهات الإدارية وجهات القطاع العام أن تقوم باستملاك العقارات). وقد يكون هذا التوسع في منح الصلاحية لهذه الجهات هو أحد الأسباب التي تنشأ الخلافات بسببها، ويجري الاستملاك فيها بشكل عشوائي لا يحقق المنفعة العامة. ولهذا نجد أنه من الضروري أن نوضّح الحالات التي يمكن للدولة أن تستخدم الميزة التي منحها إياها القانون لجهة نزع الملكية الخاصة لصالح المنفعة العامة والتي تشمل مايلي:

آ – الاستملاك لتنفيذ المشاريع ذات النفع العام. ويقصد بالمشاريع ذات النفع العام بحسب المادة الثالثة من قانون الاستملاك (فتح الطرق الجديدة وتوسيع الطرق الموجودة أو تقويمها والمنشآت التابعة لها وإنشاء الساحات والملاعب والأسواق والحدائق العامة والبحيرات ومجاري المياه. وإنشاء دور العبادة والثكنات العسكرية والمطارات والمرافئ والسكك الحديدية والمخافر والمستشفيات والمراكز الصحية والمدارس والمعاهد والجامعات والمذابح ودور الأيتام وملاجئ العجزة وأبنية المراكز الثقافية والأندية الرياضية والمنشآت الخاصة بحزب البعث العربي الاشتراكي والمنظمات الشعبية التي يتطلبها تحقيق مهام هذه الجهات وبشكل عام جميع المباني والإنشاءات التي تخصص للأعمال العامة والمنافع العامة.إضافة إلى الأعمال والمنشآت الزراعية ومشروعات الري والشرب والسدود ومشاريع النفط والغاز والكهرباء والثروة المعدنية والمناطق الصناعية. وإنشاء الملاجئ والخنادق والمنافذ والمشاريع التي تقتضيها متطلبات الأمن والدفاع والإنشاءات السياحية والتموينية والإنشاءات والمشاريع المتعلقة بتنفيذ الخطط الإنمائية والاستثمارية المقررة أصولاً وجميع المشاريع التي تدخل في نطاق اختصاص أيّ من الجهات العامة والقطاع العام ومهماته المحددة في القوانين والأنظمة النافذة وفق خطط الدولة المقررة أصولاً.

ب- الاستملاك بغية إقامة المساكن الشعبية والمناطق الصناعية. وكما نلاحظ فقد منح القانون الجهات الإدارية والجهات المشرفة على الإسكان صلاحية الاستملاك المباشر من قبلها، وحصر هذه الصلاحية بها في معرض تنفيذ مشاريع السكن الشعبي وإنشاء المناطق الصناعية فقط دون غيرها من المشاريع.

ج- استملاك العقارات أو أجزاء فيها غير الصالحة للبناء بموجب نظام البناء النافذ أو لأسباب فنية كالمساحة أو الشكل الهندسي بغية دمجها وتوحيدها أو إفرازها، ولا يجوز اللجوء إلى هذا الاستملاك إلا إذا تعذر اتفاق أصحاب العلاقة على توحيد عقاراتهم أو دمجها أو إفرازها بشكل تكون قابلة للبناء.

من خلال نص المادة السابقة نستطيع القول بأن المبدأ الأساسي الذي تقوم عليه مشروعية كل استملاك يتمثل في أن نزع الملكية الخاصة وجعلها عامة لا يكون إلا لضرورات المصلحة العامة ولغايات النفع حصراً.

إذا كان للإدارة سلطة تقدير المنفعة الموجبة لنزع الملكية فإن عليها بالمقابل أن تمتلك سلطة تعويض أصحاب الشأن عن الأضرار التي تلحق بهم نتيجة لحرمانهم من أملاكهم. ويلاحظ أن قانون الاستملاك قد وضع قواعد خاصة لتقدير التعويض المستحق، إذ يجري تقدير هذا التعويض من قبل لجنة بدائية تشكل لدى الجهة المستملكة (المادة 12منه)  وتقوم اللجنة بتقدير قيمة العقارات على أساس قيمتها قبل تاريخ قرار الاستملاك مباشرة، وأن تسقط من الحساب كل ارتفاع طرأ على الأسعار بنتيجة مشروع الاستملاك أو المضاربات التجارية!

قانون الاستملاك موجود في معظم دول العالم ولا مشكلة في تطبيقه أبداً،  لكنه في سورية كابوس بسبب تعقيداته واختلاف طريقة تنفيذه بين مناطق زراعية أو مروية، كما تختلف طريقة تنفيذه بحسب مكان السكن والوثائق ونوعية الأرض المستملكة مما يلحق الغبن والظلم بالمواطن، وهذا يخلّ بالعلاقة بين المواطن والدولة وبالقوانين الناظمة لهذه العلاقة. وبعيداً عن قانون الاستملاك هناك ما هو معروف بالجزء المكتسح بالتنظيم، والذي يقضي بالتنازل عن مساحة غير محددة، فيجد المواطن نفسه مضطراً قبل حصوله على رخصة البناء أن يتعهد بوهب هذا الجزء لصالح المنفعة العامة.

ومن خلال ما سمعت في عدّة بلديات قمت بمراجعتها للاستفسار عن هذه الحالة  فإنني لم أجد أي قانون ينص على ذلك، بل يتم الاكتساح بناء على اجتهاد من قبل مجلس المحافظة وأعضاء المكتب التنفيذي. طبعاً المواطن المسكين لا يحصل على أي ليرة سورية في هذه الحالة، بل يجد نفسه مرغماً على التنازل عن قسم من أرضه وزيادة على ذلك دفع الرسوم والضرائب المتعلقة بهذا التنازل، فأين العدل يا وزارة الإدارة المحلية في هذا ؟!. سؤال نضعه برسم السيد وزير الإدارة المحلية، ونعد القارئ الكريم  بشرح مفصّل ومسائل عديدة عن هذه الحالة كان الظلم فيها واضحاً بحق المواطن الذي يتغنى أكثر من مسؤول بأنه أمانة في رقبته !!. وللحديث تتمة.

العدد 1140 - 22/01/2025