دواعش الداخل والغلاء

استنزفت الحرب طاقات السوريين المادية والنفسية والجسدية، فلا يوجد سوري (عادي) لم يتأثر سلباً بويلات الحرب، فمَن منهم لم يفقد منزله أو ممتلكاته أو عمله أو مدخراته أو حياته أو بعضها أو كلها معاً؟

لكن الوضع بدأ يتحسن بعد انتصارات جيشنا الباسل والقوى الرديفة والحليفة، وجرى تحرير معظم المناطق التي كان يسيطر عليها المسلحون، وبدأ السوري يعود إلى العمل وإلى إعادة إعمار ما دمره الإرهاب، لكن تبقى هناك غصّة!

فبالرغم من كل ما قاساه المواطن السوري، استطاع الصمود، ليأتي نوع آخر من الإرهاب يهدر ما تبقى من إمكانات ومقدرات لهذا المواطن المسكين المنهك الذي لم يخرج تماماً بعد من حرب مدمرة ضروس، فقد ظهرت بعض النفوس الضعيفة التي يطلق عليها الإعلام السوري (دواعش الداخل)، أخذت تثقل كاهلنا بأعباء لم تكن بالحسبان من الغريب أن تأتي من شريكنا في الوطن.

ففي حلب مثلاً كان همّ المواطن أن لا تطوله قذيفة هاون أو جرة غاز متفجرة أو صاروخ محلي الصنع، صار همّه اليوم أن تخفّ الأتاوات الباهظة التي تفرضها الحواجز على شاحنات نقل المواد والسلع المختلفة! لقد توقعنا بعد انتصارات جيشنا الباسل وتحسن صرف الليرة السورية أن تنخفض أسعار السلع! لكن وبسبب هذه الحواجز بقيت الأسعار في ارتفاع مستمر.

سافرت بالمصادفة من طرطوص إلى اللاذقية، وكانت أجرة الراكب 400ل س، بينما أجرة الراكب من حماة إلى حلب 3000 ل. س رغم أن المسافة متماثلة تقريباً، والزيادة هي حصة الحواجز!

أما بالنسبة للحواجز التي بين حلب وريفها (المحرَّر) فلها قصة عجيبة أخرى! تفرض الحواجز التي ذاع صيتها عبر البلاد وأشهرها وأطمعها على الإطلاق حاجز (جب غبشة) في ريف حلب الشمالي، الذي يفرض أتاوات على الشاحنات ذهاباً وإياباً! فالمواد القادمة من الريف نجدها أغلى في حلب، والعكس صحيح، المواد القادمة من حلب تكون أغلى على المواطن في ريفها
هذا المواطن الذي أنهكته الحرب بأوزارها، وسلبه الإرهاب منزله وأثاثه وأدواته الزراعية، نجد داعش الداخل تكمل على الباقي، أحياناً تكون الأتاوات أغلى من ثمن البضاعة ذاتها، قال شاهد عيان إنه رأى أحد المزارعين يرمي من الشاحنة حملاً من القنبيط (الزهرة) لأن الحاجز فرض عليه أتاوة أكثر من ثمن الحمل، والأكثر طرافةً وألماً أن الحواجز تفرض أتاواتها حتى على المواد
التي تسعى الدولة لتأمينها إلى الريف لإعادة عجلة الإنتاج الزراعي إلى الدوران، كالغاز والمازوت والأعلاف والسماد، إحدى الجمعيات الفلاحية رفضت استلام 750 طناً من العلف لأن الحاجز فرض عليه أتاوة تزيد من ثمنه التي هي ملتزمة ببيعه للفلاحين بالسعر المحدد من الدولة.

في ظل هذا الواقع المؤسف والأليم والمتناقض بين جندي شريف جعل نفسه فداءً للوطن، ولصّ يسرق شرف الشهداء ولقمة الفقراء، نناشد أولي الأمر أن يضعوا حدّاً لهذه المهزلة.

   

العدد 1140 - 22/01/2025