مسار حوار «نحو دمشق1» في اللاذقية

 تشير المعطيات الدولية الحالية حول الأزمة السورية إلى انسداد أي أفق لعملية سياسية دولية، وقال وزير الدفاع الروسي إن (العملية السياسية في سورية تأجلت لأجل غير مسمى). على ذلك، مسار مؤتمر جنيف متوقف على الأقل في المدى المتوسط. إن انغلاق أي حل للأزمة يعني بوضوح أن الحرب في سورية ستتحول أو بدأت في ذلك التحول من امتداد للسياسة، إلى عبثية وسفسطائية دموية.

منذ مطلع أيلول هذا العام أي بعد عام كامل من التدخل الروسي العسكري في سورية، وانسداد أفق العملية السياسية في جنيف، بدأ في مدينة اللاذقية مشروع حوار سوريّ- سوريّ سُمّي (نحو مؤتمر دمشق1) تعويضاً وطنياً عن المسارات الخارجية المُعطلة، وعن حقيقة أن أي مشروع سياسي وطني لابد أن ينطلق من دمشق، لا من أي مدينة أخرى في العالم.

على أرض  الواقع أنجز هذا المسار شوطاً مهماً في اللاذقية، على أن يستكمل في بقية المحافظات للهدف نفسه. وعُقدت جلستان منه الأولى في شهر أيلول والثانية في تشرين الأول من هذا العام، وشُكّلت لجنة اتصال معنية به. وإذا كان قد وقع العبء الأكبر على (تيار طريق التغيير السلمي) في انطلاقة هذا الحوار، لكن جهوده لم تكن لتثمر لولا دعم جميع الأطراف المشاركة الأخرى مثل (الحزب الشيوعي السوري الموحد)، و(الحزب الديمقراطي السوري) و(حزب الشباب الوطني للعدالة والتنمية) وغيرهم.

الحوار يستند على محاور عدة مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بالأزمة السورية، وهي محاور قابلة للنقاش والتفصيل في مضامينها. لكن هذا الحوار وقع في مصيدة الفوبيا من النشاط السياسي، وباستثناء بعض التيارات والأحزاب المعارضة، بدا حزب البعث أكثر إيجابية وأكثر وضوحاً وانسجاماً مع نفسه في قبول الحوار، وحضر ممثلَين عنه في جلسة الحوار الثانية، عضوان من قيادة فرع اللاذقية لحزب البعث العربي الاشتراكي. وبالتغاضي عن الأسباب، يبدو حزب البعث متعاوناً ومستعداً لاستكمال جلسات الحوار، في حين أن لجنة الاتصال المعنية بتنظيم مسار الحوار في اللاذقية قد تعرضت لانسحابات وخلافات شديدة، بعد أن سلّمتْ إلى فرع حزب البعث في اللاذقية بياناً كان قد أنجز بالتوافق داخل اللجنة في العاشر من هذا الشهر، وردت فيه عناوين أطر عامة للحوار ودعوة صريحة لحزب البعث أن يكون بصفة شريكاً في الحوار وليس بصفة مدعواً.

ونعتقد أن مسار الحوار نحو مؤتمر دمشق1 مسؤولية جميع النخب السياسية التي يمكن لأي تحالف منها أن يسعى نحوه، مع قناعتنا، بغض النظر عن الدوافع، بأن أي مجموعة تحالفية لديها القدرة على إطلاقه، وبالتالي من السذاجة السياسية محاولة احتكاره، لكن- وهذه قناعة أطراف من لجنة الاتصال أيضاً، من يريد من منظور وطني إنجاح دمشق1 يجب عليه أن ينطلق من معايير تفاوض شديدة الوضوح، وتلامس مسببات نشوء الأزمة السورية ومخرجاتها على حد سواء، وليس فقط مخرجاتها. وقد ناقش ممثلو أطراف الحوار كثيراً في هذا المنظور ضمن لجنة الاتصال.

أصبح الصراع الدولي القائم على سورية بدهية، والانتظار على توافق أمريكي روسي سريع وواضح لحل الأزمة السورية هو ضرب من الخيال، والدوران في متاهة التعقيدات الاستراتيجية، خاصة في الشمال السوري، سوف يفتح بالضرورة على نوع من التحولات الجغرافية والديمغرافية بأشكال مختلفة قد تكون جديدة كلياً وخطيرة، واحتمالات غير مضمونة في حماية السلم الأهلي. إن ربط حل المشاكل الداخلية بالرعاية الدولية، هو رهان معقد وغالباً خاسر على الصعيد الوطني، فللأطراف الدولية الفاعلة خيارات خطرة لا تأخذ بعين الاعتبار مصالح الشعوب الرازحة تحت أزماتها. إذاً، سيكون من الخطأ بالنسبة للأطراف المتحاورة حتى لو كانت متناقضة فيما بينها، أن تنتظر حل الأزمة السورية من قبل الأطراف الدولية. ورغم أن مسار مفاوضات جنيف حول الحل السياسي في سورية لم يُغلَق بالمطلق، فإن الصراع على سورية يبقى مفتوحاً على احتمالات معقدة غير مضمونة النتائج، لكن أي مشروع وطني لضبط هذه الاحتمالات وتأطيرها ضمن حدود الخسارات الأقل، لابد أن يمر عبر سلسلة منظمة وتراكمية لعملية الحوار الوطني، الذي سيبقى رغم كل مشاكله وعقباته أحد الضوابط الموضوعية للخروج من الأزمة السورية.

العدد 1140 - 22/01/2025