حرب الرغيف
بين شفاه الحرب المبتسمة للموت يغفو حلم الشباب السوري المنكسر على جبهات الأرض المرتلة أغنية الحرب، والمعتقل على قيثارة الوطن النازف وجعاً، والتي تعجز حروف كلمات من عشقوه ومازالوا يرسمونه ياسمين غدهم عن التعبير لسموّه في أرواحهم الملونة بزهور الإنسانية وقيمها التي عجنت بها نفوسهم رافضين كل المساومات وحرب القرارات الحكومية..مقاومين تسيّد الزعران والتجار عرش القوانين وبورصات لقمة عيشهم وعيش أطفالهم، بالهروب من الوطن تحت مسمى اللجوء الذي تدفع إليه سياسة التهجير القسرية التي يعمل عليها البعض، لإفراغ البلد من طاقاته والتي كانت ملاذاً للكثير من الحالمين بجنسيات أوربية وبعض من وجدوا بها المنفذ لتحقيق أحلامهم المتكسرة على أبواب الحكومات التي لم تهتم لأدمغتهم أو حتى لإصدار قوانين مدنية تواكب العصر، وتلبي أقل ما يمكن من احتياجات الفرد الإنسانية والمعيشية، بل كانت معتقلة بقراراتها ومنهجيتها بتغييب النصف الآخر من الجسد وإبعاده عن المشاركة والتضييق عليه، وعدم دراستها لجغرافية السكان وإلمامها حتى بوجود مخلوقات بشرية لها الحق في العيش، وبأن الشعب وفق الدستور له السيادة، فأين الديمقراطية التي جعلوها بداية لخطاباتهم ومؤتمراتهم إن كان لا يحق للشعب اختيار محافظ لمدينته بل هو يُعيّن تعييناً وهو لا يملك الخبرة الإدارية للمجالس المحلية بل يكون رجلاً متقاعداً أكل الدهر عليه وشرب، وتغييب دور المرأة في مجالس الإدارة المحلية وإبعادها بشكل كامل عن إدراتها.
حرب الرغيف أقسى الحروب وأكثرها دماراً للمجتمع وأكثر فتكاً من حرب السلاح لما تخلقه من أزمات حقيقة وحروب خفية، فغريزة الجوع تغير معالم الإنسان الداخلية وتجعل منه وحشاً لا يأبه للقانون ولا لأي شيء آخر، خصوصاً إن كان لديه أطفال ووفق ما نراه في الواقع يجري انتشار كبير للسرقة والإجرام والدعارة والتشليح التي باتت كابوساً حقيقياً يقلق المواطنين بغياب الأمان.
وإذا عدنا إلى الأسباب لوجدنا أن معظمها هو الجوع الذي كان نتيجة القرارات الحكومية والإجراءات التعسفية للبلديات في محاربة البسطات التي يعتاش عليها الكثير من الوافدين والفقراء، وهذا ما حدث خلال الأيام الماضية في عدة محافظات بدءاً من العاصمة دمشق التي صر همُّ مجلسها تزيين حديقة السبكي بـما يقارب 100مليون ليرة بعد ماراثون الألوان والفرح الذي كانت تكلفته 50 مليون ليرة سورية متجاهلة الوافدين الذين ينامون في الحدائق. بالتأكيد لم يكلف محافظ دمشق نفسه بزيارة الحديقة التي تقع بجانب جسر الثورة ليرى كيف ينام المواطنون الذين لم يبقَ لهم مأوى يأويهم من برد الشتاء، بل اكتفى هو وحاشيته بقرار يمثل حرباً علنية على بسطات الفقراء، بدل أن يعمل على تنظيمها بشكل يتوافق مع معالم المدينة ويكسب به محبة المواطن، لا فتح أبواب جديدة لانتشار الإرهاب الداخلي وازدياد عدد الجرائم وحالات السرقة والدعارة.
لبلدية اللاذقية فردوس آخر
لم يكن محافظ دمشق الوحيد الذي أصدر قرار الإعدام بحق المواطنين الفقراء المعتاشين هم وأسرهم من وراء بسطات الخضار وغيرها لتكن بسطات الفقراء في اللاذقية على موعد مع جرافات البلدية وموظفيها الذين تزعموا السوق صباح الجمعة الماضية فحطموا وكسروا لقمة عيش الفقراء فوق رؤوسهم، وحسب علمنا بأن البلدية تأخذ من كل بسطة نحو 5000 آلاف ليرة سورية، فماذا حدث هذه المرة؟ ما حدث بأن سيادة المحافظ مرّ من شارع الريجة القديمة مساء الخميس ولم يعجبه المنظر العام، فأمر بإزالتها! ولكن ماذا لو أخذت محافظة اللاذقية بالمقترحات التي نشرناها سابقاً في صحيفة (النور) بتجميع البسطات في الساحة الفارغة التي تقع بجانب مديرية الثقافة بشكل سوق أنيق؟ أليس ذلك أفضل من ممارستها حرب لقمة العيش ضد المواطن الكادح الذي لم يجد للعيش سبيلاً سوى بسطة صغيرة يبيع فيها بأقل الأرباح؟ أم أن بريستيج الفردوس بات تقليداً للمسؤولين وعدوى مرضية خلفها حب الكرسي قبل الحرب ليزداد العشق لها أكثر في وسط الحرب؟
وسؤالنا في هذا المقال: ماذا عن البلديات التي أرهقت المواطن السوري بقراراتها الداخلية والآنية؟ وماذا عن الانتخابات التي لم تحدث حتى اليوم والتي كانت مقررة وفق قوانين الانتخابات بشهر شباط 2016؟ وماذا عن رؤساء بلديات مازالوا في مناصبهم لأكثر من 15 عاماً وهم الأكثر فساداً، وكأن المنصب في بلدنا بالوراثة لمن هم فوق الخمسين من العمر وتغييب دور الشباب في تطوير بلدهم وإشراكهم في العملية الإدارية وفق واقع نعايشه منذ زمن بعيد؟
بالتأكيد الجواب جاهز بأن الانتخابات ديمقراطية وفق أكثرية الأصوات! والسؤال الأكثر إلحاحاً ووضوحاً هل للأحزاب اليسارية وجود في رئاسة البلديات وغيرها؟ أم أن القوانين لا تسمح بذلك؟ فالمكتوبة على الورق غريبة لا تشبه القوانين الفعلية التي تطبق حتى في قرارات البلديات التي هي أصغر وحدات إدارية مهمتها حماية المواطن لا جعله حصالة لجمع الأتاوات، ومهمتها الخدمات والرقابة لا تهميشها لقوانينها ومهمتها- حتى لو كنا في حرب- فمازال الوطن قوياً صامداً والشعب يعيش رغم كل الظروف ينتظر قراراً ينصفه لا أكثر..قراراً يرحم لقمة عيشه التي باتت حرب البلديات عليها أكثر إرهاقاً من حرب الإرهاب المسلح… فهل يلمس المواطن حقاً تغييراً قادماً يكون فيه تطبيق القانون فوق الجميع، فقوانين بلدنا مدنية وللمواطن الحق في اختيار مجلس مدينته وفق قانون انتخابات عادل ومدني يليق بسوريتنا؟