الأمريكيون يسعون إلى التفتيت.. وصمود سورية يسـتدعي تعزيز وحدة شعبها

المتابعون لتجليات المواقف الأمريكية تجاه سورية وأزمتها، والمساعي السلمية التي تبذلها روسيا والمجتمع الدولي لإنهاء هذه الأزمة سلمياً، وقفوا طويلاً أمام (بهلوانية) هذه المواقف. بعض المحللين أعاد تذبذب السياسة الأمريكية إلى تعدد القوى والأطراف (المتدخلة) في هذه الأزمة، والبعض الآخر نسبها إلى الجهود الأمريكية الساعية إلى إطالة الأزمة السورية، بهدف التفكك التلقائي للدولة السورية وشلّ قدرتها على الصمود، في مواجهة الإرهاب والمعارضات المسلحة وأمراء الحرب، وركود الاقتصاد ومصاعب المواطنين المعيشية والاجتماعية..

لكننا، بغضّ النظر عن المؤيدات التي استند إليها هؤلاء المتابعون، حذّرنا من خطر المخطط الأمريكي الرامي إلى تفكيك الدول الوطنية وجيوشها وهياكلها الاقتصادية والاجتماعية، تسهيلاً للشرق الأوسط الجديد الذي يمثل كيانات صغيرة مصطنعة، يقودها أو يوجهها الحليف الأمريكي (الكبير)، وتُحقق طموح الدولة الصهيونية في السيادة والتمدد والسيطرة. وكي تنفذ الولايات المتحدة الأمريكية هذا المخطط، لجأت إلى أدوات (التفكيك) المتمثلة بالإرهاب المتلطي خلف عباءة الدين، وإلى الغارقين في مستنقعات التعصب الديني والطائفي والإثني، وإلى أمراء كل الحروب المنتشين بلون الدم ورائحته، وأطراف أخرى في الداخل، لسد كل الآفاق أمام تحقيق حلم السوريين ببناء دولتهم الواحدة الحديثة.. المتطورة، التي تستوعب جميع أطيافهم استناداً إلى نظام سياسي ديمقراطي.. علماني.

لقد حرك الأمريكيون هذه الأطراف من بعيد، ومن قريب، لضرب وحدة الدولة السورية وانسجام مكونات شعبها المتعددة، بل خلقت تناقضات بين هذه الأطراف ذاتها، بعد أن أثارت فيهم أوهاماً بالسيطرة والسلطة والحكم. ولقطع الطريق أمام أي محاولة لإيجاد تسوية سياسية للأزمة السورية، لجأت الإمبريالية الأمريكية أيضاً إلى ابتزاز المتمع الدولي، القلق على مصير السوريين، وبحجة الدفاع عن حقوقهم وخياراتهم، عرقلوا وعقدوا كل الاقتراحات والمساعي السلمية لحل الأزمة السورية.

لأنها سورية، لأنها محور المقاومة للصهيونية، لأنها قلب الشرق المراد تفكيكه أمريكياً وصهيونياً، ولأن شعبها أراد بناء مستقبله الديمقراطي العلماني عبر التغيير السلمي، تحولت فيها مطالب سياسية واجتماعية إلى حرب دموية غابت عنها السياسة، وحضرت البندقية والدولار وآل سعود والانكشاريون الجدد، شركاء التفتيت والتهديم.

السوريون الذين رفضوا في الماضي جرّهم إلى أحلاف مصطنعة، كانوا يدركون أن حجر الزاوية في صمودهم بوجه المخططات الأمريكية هو تكاتفهم، وانسجام مكوناتهم السياسية والاجتماعية والدينية والإثنية، وحفاظهم على وحدة بلدهم وسيادتها على أراضيها.. وهم اليوم مطالبون أكثر من أي وقت مضى بالتمسك بهذه الثوابت الوطنية رغم كل الإغراءات، وحملات الحقد المصدّرة من الخارج، وأحلام اليقظة التي تراود البعض بإمكانية نيل الحقوق بعد تفكك الدولة السورية.

إن مواجهة الإرهاب، وتحرير المناطق التي يسيطر عليها، هو واجب على جميع السوريين، دفاعاً عن دولتهم وأرضهم وعيشهم المشترك بالدرجة الأولى، وهذا لن يتحقق إلا بدعم الجهود السورية الوطنية التي يقودها جيش سورية الوطني الممثل لجميع مكونات الشعب السوري. الأمريكيون ليسوا في عجلة من أمرهم لاستئناف جنيف ،3 وقد دعموا قوتهم العسكرية في بعض المناطق السورية، ومعارضتهم (المعتدلة) تحالفت مع جبهة النصرة، وأخلت مناطقها لداعش في ريف حلب، في الوقت الذي يعلنون فيه الحرب على داعش في الرقة، أما حلفاؤهم الأتراك فتوغلوا في الأراضي السورية بحثاً عن أدوات جديدة لمساندة الإرهاب وتشتيت الجهود الدولية السلمية.

منذ أيام أحيا السوريون ذكرى اعتداء المستعمر الفرنسي في 29 أيار عام  1945 على البرلمان السوري، الذي يمثل سيادة السوريين وترابط مكوناتهم السياسية والاجتماعية، واستشهاد حامية المجلس من رجال الدرك الذين دافعوا عن سيادة بلادهم والذين ينتمون إلى مختلف المكونات الدينية والمناطقية.. لقد كان شعارهم:

(كلّ شبرٍ من ثراها.. دونه حبلُ الوريد)!

العدد 1140 - 22/01/2025