هل من منهج قانوني واضح لبعض قرارات الحكومة؟!

 لا بد من دراسة حالات القرارات الحكومية الخاطئة بغض النظر عن متخذيها الفعليين أو المتسببين بها، فالخطأ خطأ، أما الإصرار على الاعتراض القانوني والمنطقي عليه ومعالجته إنما يخدم المصلحة العامة ومساعي الإصلاح في النهاية، كما أن حالة المبادرة الفردية للاعتراض على الخطأ يجب أن تتطور إلى حالة جماعية…

إملاءات…

حين يتخبط وزير ما في اتخاذ قرار أو حين يتخذ قراراً خاطئاً، فهو بالتأكيد ليست لديه القدرة على اتخاذ القرار أصلاً، وهذا يعود إلى سوء ترشيحه وتزكيته ليكون وزيراً، ولكي يغطي على عدم قدرته في إدارة الوزارة، يعتمد على إملاءات الأشخاص الأكثر نفوذاً، كما يعتمد على آراء المتنفذين في وزارته ممن رصد قوة نفوذهم قبل توليه الحقيبة وبعده.. لذا تأتي القرارات في هذه الحالة غير متناسبة مع الصالح العام ومسيئة للمصلحة العامة لأنها تعكس رغبات ودوافع شخصية أكثر من كونها رغبات ودوافع عامة، وإذا نوقش بها الوزير- وهذا نادر الحدوث- فإنه لا يتلكأ ولا يتخبط في الإجابة.. ومن (كليشات) تلك الإجابة التي يرددها المديرون معه: (هذا الموضوع أكبر من الجميع)، (من فوق)، (مقتضيات المصلحة العامة)، (مصلحة عليا)..

وبالطبع فالأمثلة كثيرة جداً عن قرارات من هذا النوع، وهي تعكس حالة عامة يعبّر عنها المواطنون حين يلغون تماماً دور وزير بالحديث عن أشخاص يتحكمون بقراراته، وأن أحدهم هو (الكل بالكل) لديه، وأن الوزير (يضرب له التحية).. وتترافق تلك الحالة أحياناً مع وجود بعض (الشخصيات) من المديرين التابعين لوزارة الوزير، إذ لا يطرق هذا البعض بابه أدباً، ويقتحم مجلسه في أي وقت، ويتحدث بصوت أعلى من صوته، ويستنفر عناصر الوزارة من مقربي الوزير لتهدئته إذا كان غاضباً وجلب كل ما يلزم له، وللوزير، لتوقيع قرار ما أو تنفيذه على وجه السرعة!

هل من معايير علمية ومنطقية لاختيار بعض الوزراء؟

زوجة أحد الوزراء السابقين- أثناء تلقيها التهاني باستوزار زوجها- أفادت بأن زوجها قد أصبح وزيراً لإحدى الوزارات (رغم أنه يستحق أهم من تلك الوزارة)!!! ثم أردفت قائلةً: (صحيح أنه من خارج المجال والتخصص، لكنه يتحلى بشخصية قيادية وإدارية ممتازة، وستلاحظون الفرق بوجوده)! وعلى كل حال -كما تابعت الزوجة- (هو موعود بعد تلك الوزارة بالوزارة التي يحبها.. وهناك سيبدع أكثر، فمداخلاته في هذا المجال معروفة ومشهود لها…).

ولكن مع الأسف الشديد فالمشهود له هو المزيد من التخبّط الإداري في بعض المؤسسات، عصف ويعصف بالمصلحة العامة والبلاد، ويكاد عدد من الوزارات يشبه القلاع المحصنة التي لا يدخلها إلا (أمراء) الإدارة والنفوذ، وكذلك الأمر بخصوص مبنى رئاسة مجلس الوزراء الذي تشهد بعض حالات مراجعته سوء المعاملة الغريب والمفزع، وكأن من بداخله فصيلة نادرة من البشر يجب أن لا يقلق أحد راحتها!

الحكومة والمنهج القانوني…هل من آلية واضحة لاتخاذها القرارات؟

إذا شئنا أن نعدد قرارات حكومية لا منهج قانونياً واضحاً في اتخاذها فهي أكثر من أن تُحصى.. ولعل أحدث الأمثلة هي صدمة رئيس الحكومة بمقتضيات وتفاصيل قرار ما سُمي بمشكلة (الفائض) في القطاع السمعي المرئي التابع للهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون، فقد تمكن وفد يمثل (الفائض) المذكور من مقابلة رئيس الحكومة بتاريخ 16/2/2017 وذلك اعتراضاً على قرار يخص نقلهم من أماكن عملهم إلى مؤسسات حكومية أخرى، وإقصاء بعضهم بما يمثّل ظلماً لهم.. أما ما نعلمه فهو أن منهج صدور هذا القرار كان كالعادة من خلال لجنة من الهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون ووزارة الإعلام ورئاسة الحكومة، ولكن رئيس الحكومة الموقّع على القرار- ومن خلال لقائه بالمستهدفين- أكّد نيته محاسبة المديرين الذين تورطوا في تضليل الحكومة بما يخص مسألة (الفائض)(؟!) وأنه وجه وزير الإعلام لتشكيل لجنة تحقيق في الموضوع بمتابعة شخصية منه وبرئاسة الوزير وعضوية معاونه فحسب، على أن تنهي أعمالها في غضون ثمانية أيام وتقدم تقريراً بأسماء المديرين (المتورطين)، لافتاً إلى أن التراجع عن القرار سيضعه شخصياً في موقف محرج(!) أو أنه  سيعتبر رضوخاً لتهديدات من سيشملهم الإقصاء…! فهل يمكن لعقل أن يقبل ذلك؟! وهنا يحق لنا التساؤل: كيف تعمل الحكومة؟ وكيف تصدر قراراتها؟! وكيف يعترف رئيس الحكومة بوجود متورطين في تضليلها ثم يتحدث بصراحة عن موقف محرج للتراجع عن قرارها لئلا يعتبر رضوخاً لما أسماه (تهديدات)؟!.. هل هذا عمل حكومي؟!..

ألا تشبه بعض المواقف ومضات من نزاعات شخصية في حارة شعبية؟!.. وفي هذه الحالة ليس لنا إلا أن ندعو إلى الوقوف ملياً عند هذا الموضوع الخطير والمطالبة بمراجعة كل قرارات الحكومة التي سُجلت ضدها شكاوى أُهملت، فإذا كانت فرصة ذهبية قد أُتيحت لوفد (فائض السمعي المرئي) بلقاء رئيس الحكومة وإقناعه بوجود مضلِّلين لها، فقد لا تُتاح هذه الفرصة لغيرهم ممن استهدفهم مضلِّلو الحكومة، بل ومضلِّلو الدولة بأكملها…

وختاماً فإن لقمة عيش المواطن هي نفسها لقمة عيش الوطن، وحين يستهدفها قرار حكومي مضلَّل، فإنما يستهدف الوطن.. أما التضليل فهو إحدى النتائج الوخيمة للإملاءات المرفوضة، ولعل أهم ما يجب أن يتحلى به المسؤول هو استناده فقط إلى ما يمليه عليه ضميره الإنساني والأخلاقي والقانوني، لا أن يتعامل مع القضايا بعنصرية مقيتة متخلّفة ودوافع شخصية لا تمت إلى المصلحة العامة بصلة.

العدد 1140 - 22/01/2025