البسطات والمواطن بين واقع الحرب والاستبداد القمعي لمجالس الإدارة المحلية

لم تعد مصطلحات وصف الفساد والترهل الإداري لمجالس الإدارة المحلية، تعبر عن سوء الإجراءات التعسفية وغير المنطقية، في ظل ظروف الحرب والغلاء الفاحش في محاربتها للمواطن الكادح لنراها قد نسيت مهامها الخدمية كالنظافة والتنظيم وغيرها لتجعل شغلها الشاغل جمع الأتاوات من الفقراء بطرق مختلفة، ومحاربة لقمة عيش المواطن ضاغطة علية بمنهج يكفي أن نقول عنه بأنه أسوأ من الإرهاب المسلح ذاته، وخير مثال على ذلك مجلس مدينة اللاذقية الذي لم يبقَ له من عمل سوى محاربة بسطات الكادحين.

ظاهرة البسطات عالمياً

تعتبر البسطات من الظواهر العالمية التي يتقبلها المجتمع لما توفره من فرص للحصول على الاحتياجات المعيشية بأقل الأسعار مقارنة بالمراكز التجارية الأخرى حيث تعد منفذًا لذوي الدخل المحدود، والباحثين عن العمل من الفقراء والكادحين ذي الكفاءة والخبرات والإمكانات المحدودة، لكن بعض الحكومات ترفض هذه الظاهرة لما تعكسه من استغلال للأرصفة بشكل عشوائي، وغير منظم بهدف تحقيق الربح إضافة إلى انعدام المسؤولية في النظافة العامة لأماكن وجودها، وغيرها من الأمور الكثيرة التي تعتبرها بعض الحكومات سبباً في سوء البسطات، دون أن توجه لنفسها بأنها المسؤولة عن تنظيمها وفق أسس مدروسة بشكل علمي، لأماكن وجودها كما فعلت بعض حكومات الدول المتقدمة وقد نجحت بذلك، أما حكومتنا وإدارتنا المحلية حتى اليوم فلم نرها تضع منهجاً إدارياً رغم الحاجة الملحة لذلك، في واقع الظروف المعيشية الأكثر من سيئة، لتحافظ وتحمي المواطن من جهة ولتبقى ثقته بالدولة ودور الحكومة في إيجاد الحلول له من جهة أخرى، لكن ما حدث خلال السنوات الأخيرة كان معاكساً لذلك.

البسطات من الأسواق التي تحكم الاقتصاد

قسم الاقتصاديون سوق العمل في المدن الكبيرة إلى ثلاثة أقسام يستوعب بموجبها الداخلون فيه طبقاً لمؤهلاتهم التعليمية، وخبراتهم العملية أو كليهما، وكانت تقسيماتهم كالتالي:

أولاً: سوق العمل الرئيسية ويحتكر هذا السوق ذوو المؤهلات والخبرات العالية.

ثانياً: سوق العمل الثانوي يمثله ذوو المؤهلات الذاتية والمواهب والأموال، وهذا السوق معني به رجال الأعمال والحرفيون وأصحاب المهن الصغيرة، أمثال الحرفيين والمهنيين في المطاعم الصغيرة، وغيرهم ممن ينطبق عليهم مواصفات هذا السوق.

ثالثاً: سوق العمل غير المرخص ويضم كثيراً من الممتهنين لأعمال البيع، ويأتي على رأس القائمة الباعة المتجولون ومفترشو البسطات، وتعتبر البسطات والباعة المتجولين من أشرف المهن مقارنة بالقطاع العريض لمجموعة المهن غير المرخص لها، التي توجد بالمدن مثل التهريب والمقامرة والمتاجرة بالممنوعات.

أسئلة كثيرة تطرحها صحيفة (النور) حول البسطات والحرب القائمة عليها وعلى البائعين المعتاشين بكرامتهم في ظل واقع أسوأ من السيئ في حين أن تجار السوداء يسرحون ويمرحون، دون رقابة وحساب، ولكن السؤال الأهم هل نظرت الحكومة وحللت واقع ازدياد حالات الإجرام والسرقة والدعارة والقتل وغيرها في المجتمع؟؟ وهل سألت من المسبب لذلك وما هي الأسباب؟؟ دون استخدام شماعة الأزمة التي باتت البسملة والتصديق للتصريح الحكومي وغيره، هل تساءل وزير ما عن كارثة محاربة لقمة عيش البسطاء وإلى أي جحيم أخر يقود دافع الجوع لدى البشر؟؟

البيئة الحاضنة للدولة

وفي تصريح خاص للباحث الاقتصادي الدكتور عمار يوسف لجريدة (النور) حول موضوع إزالة البسطات، ومحاربتها بطرق تعسفية في ظل هذه الظروف قال:

(مما لا شك فيه أن المستهدف الأساسي من إزالة البسطات من الشوارع أو الإشغالات بشكل عام دون تأمين البديل لمن  استهدفهوا من المواطنين هو أمر على قدر من الخطورة يجب الانتباه إليه، فعدد كبير من أصحاب هذه البسطات ليس له أي مورد للعيش سوى هذه البسطة، إضافة إلى وجود عدد كبير من النسوة التي تقوم بالبيع على البسطات نتيجة عدم تمكنهم من تأمين عمل آخر نتيجة ظروف الحرب والعديدات منهن من أبناء وعوائل الشهداء، وإزالة هذه البسطات يجعلهم دون أي دخل مما يحولهم إما لمجرمين بالنسبة للرجال، وإما إلى أعمال غير أخلاقية بالنسبة للنساء).

لابد أن ننظر نظرة بعيدة إلى هذا الأمر الخطير والذي برأينا يهدف إلى نزع البيئة الحاضنة للدولة من الدولة نفسها، فإحساس هذا المواطن الذي يعيش من دون دخل هذه البسطة، بالظلم والقهر واليأس قد يدفعه إلى مقاومة الدولة وعدم الثقة بها في وقت لا يطلب هذا الأمر في الظروف الحالية خاصة أن هذه البسطة لا تشبع ولا تغني عن جوع، وهو مضطر للعمل عليها ولا بد من السؤال وبسوء نية عن الهدف الحقيقي لما يقوم به بعض المسؤولين تجاه هذا المواطن المتعيش). وبسؤالنا له عن الحلول المتوفرة لمعالجة واقع البسطات والمواطن قال: (إن الأسواق الشعبية معروفة في كل دول العالم وتعتبر في بعض الدول أحد المظاهر الجاذبة للسياحة، فلا يوجد مانع لدى حكومات تلك الدول من تأمين أماكن مناسبة لهذه البسطات وتأمين الخدمات لها مقابل بدل يحقق للدولة وللمواطنين العاملين فيها، وفي الوقت نفسه تحقق الفائدة للمواطنين بشكل عام، لأنه من المعروف أنها تتمتع برخص أسعار بضاعتها، مما يجعل ذوي الدخل المحدود المستفيدين الأهم من هذه البسطات..).

وقال يوسف لصحيفة (النور) متسائلاً: لماذا لا تعتمد حكومتنا مثل هذه الأسواق الخاصة بالبسطات وأن يكون بدل الاستثمار رمزياً وشخصياً لاعتبارات اجتماعية خاصة بما تؤمنه من فرص عمل لناس كثر ضاقت بهم سبل الحياة. وقد أكد د.يوسف في نهاية حديثه أن الموضوع هو أكبر من مسألة إشغال للأرصفة أو تطبيق للقانون بل أن وراء الأكمة ما ورائها، فحذارِ مما سيجري بعد ذلك.

تساؤل أخير لرئاسة مجلس الوزراء: وفق ما وصفتم سيادتكم الحكومة بمصطلح حكومة الفقراء ما النهج والخطط الإدارية المتبعة في تطبيق هذا المصطلح على أرض الواقع، وهل محاربة المواطن الكادح ضمن هذه الظروف القاهرة تعتبر إيجابية لبناء الوطن؟؟ وما هي منعكساتها على المجتمع برأي وزارة الإدارة المحلية؟

للموضوع تتمة ومتابعة في القادم….

العدد 1140 - 22/01/2025