أودعناكم فلذات أكبادنا… نداء أهالي المخطوفين الأسرى
يقولون إن الحرب تشبه الحب، كلاهما دائماً يجد طريقه، وكلاهما يبدأان من مستصغر الشرر حتى تصبح تلك البداية ناراً، ولكن شتّان ما بين نار الحرب ونار الحب! فالفرق كبير في المبدأ والمضمون، في الجوهر والمكنون، في الهدف والغاية.
فنار الحرب تحرق وتلهب وتقتل وتميت، أما نار الحب فهي مزيج من لهب سماوي يلهب دون أن يحرق، ويشعل دون أن يميت.
في سورية وجدت الحرب طريقها إلى القلوب المحبة، الحرب التي فرقت الأحباب وشتّتت الأهواء ومزقت قلوب الآباء وفتّتت أكباد الامهات وضاع أولادهم ما بين أسير ومخطوف.
وما بين مخطوفي الحرب في بدايتها وخاصة على الطرقات، مروراً بهجوم الجماعات الإرهابية المسلحة على المدن الآمنة، واستباحتها وقتل الأطفال قبل الكبار، وأسر العديد من الأسر من نساء وأطفال وعجائز كما حصل في مدينة عدرا العمالية في ريف دمشق،
وكما حدث يوماً ما في ريف اللاذقية، نجد أن أعداد المخطوفين والأسرى يتجاوز أرقاماً غير مسبوقة في تاريخ الحروب العالمية، ولكن ماذا عن أهالي أولئك الأسرى والمخطوفين؟ ماذا عن حرقة قلوبهم التي ألهبها الحب وحرقتها الحرب، وأحالتها إلى رماد؟!
يا بني، سلام لروحك أينما كنت! سلام وألف سلام من الله عليك، سلام على ذكرك مقدار صدق إحساسي بوجودك، ومقدار ما شممت من البعد عطرك ورائحتك، مقدار ما افتقدتك وذكرتك وغابت في سراديب روحي روحك!
يابنيّ، إنها السنة الثالثة وأنا لا أعرف ما إن كنت حيّاً على هذه الأرض أم كنت تحتها شهيداً مظلوماً ملتحفاً بدمائك ظلمات قبرك، مكفناً بدمعي ودمع أمك.
هكذا يقول أحد الآباء المفجوعين بغياب ابنه منذ ثلاث سنوات في مطار الطبقة الذي هاجمته داعش فقتلت وأسرت الكثيرين من حامية ذاك المطار من الجنود البواسل.
أيتها الغائبة غياب الملائكة عن الأنظار، البعيدة بعد اللؤلؤة عن مرمى الأبصار، الساجدة في قلبي كسجود النجم في قلب السماء، أحرقني الغياب وأيبس الحزن وريد الحياة، وتقطعت شرايين الأمل بلقياك،
فهل من مغيب يشفق على روحي فيطويني كما طوى يومه ودفنه مع شمسه في ماء البحر المالح؟! لعلها صرخة أم فقدت ابنتها بعد اجتياح الإرهابيين لمدينة عدرا العمالية، فخُطفت ولا تعرف إلى اليوم مقرها ولا مستقرّها.
ولم تستطع أي منظمة مهما كان حجمها من إحصاء عدد المخطوفين أو الأسرى بدقّة، وما أمكن الحصول عليه هو مجرد أرقام أولية وصفت بالكبيرة جداً.
والخطف في سورية متنوع وشمل كثيرين، فقد جرى خطف رجال دين وصحفيين ومدنيين وعسكريين، وذلك على أساس توجهات فكرية أو سياسية أو طائفية، أو من أجل الفدية.
أما عن أرقام المخطوفين فقد تجاوز عددهم 16 ألف مفقود، حسب ما صرح وزير الدولة لشؤون المصالحة الوطنية الوزير علي حيدر، مؤكداً أنهم يتلقون أسماء المخطوفين في مكاتب المخطوفين الخاصة لهذا الأمر،
وهي تعمل على أرشفة الأسماء وتوثيقها والتأكد من أماكن وجودهم، والتواصل مع الجهات الخاطفة بشكل مباشر أو غير مباشر لمحاولة إطلاق سراحهم والاطلاع على شروطهم وغيرها من التفاصيل.
وحذر الوزير من أن نشر الأسماء يمكن أن يعطل عملية التبادل. ولذلك ليس من المطلوب نشرها، ولكن يستطيع الأهالي أن يسألوا عن ذويهم بالاتصال المباشر الى هاتف الوزارة المفتوح، وهو الرقم المعروف والمتداول: 3134305/011
جهود كبيرة ومباركة تبذلها وزارة المصالحة الوطنية لعودة أبناء هذا الوطن المفقودين والمخطوفين إلى أحضان ذويهم، ولا أحد ينكر مقدار ما حققته تلك الوزارة إلى اليوم من كشف أماكن أولئك المخطوفين والتواصل مع الخاطفين وعودة بعضهم الى أهلهم كما حصل منذ أيام في عملية مبادلة لتحرير المخطوفين في دوما.
وكما حدث منذ أشهر عديدة عندما أمكن بصفقة استعادة عدد لا بأس به من النساء والأطفال الذين خطفوا في ريف اللاذقية منذ أربع سنوات مضت.
الأمل كل الأمل أن يُعرف مصير كل مخطوف وأسير، والأمل الأكبر بعودتهم جميعاً إن كانوا أحياء. وأما الحلم الأكبر فهو أن تضع هذه الحرب أحقادها قبل أوزارها، ليعود كل غائب أسر لدى الجماعات المسلحة فبقيت ذكراه أسيرة دموع أهله وقلوبهم،
الأهل الذين أودعوا فلذات أكبادهم في أحضان السماء، وفي وجدان كل شريف في وزارة المصالحة الوطنية.