ماذا يحصل في ميانمار«بورما »؟

 يشكل المسلمون 10% من عدد سكان ميانمار، وهم واحدة من 16 أقلية منتشرة على كامل البلاد. وفي حين يتركز مسلمو قومية الباندي ذات الأصول الصينية في مدن الشمال، يتركز مسلمو عرقية الروهينجا في إقليم أراكان الواقع على بحر الصين الجنوبي،
مشكلين غالبية سكانية في منطقة ساحلية استراتيجية هي حالياً محور استقطاب لنزاع آخذ في التطور بين أكبر قوتين اقتصاديتين في العالم.
ولا بد من الربط هنا، إذ بالرغم من وجود عشر أقليات مسلمة في الصين، فإن من يواجَه باستمرار من قبل نظام الدولة الصارم للحكومة الصينية هم فقط سكان عرقية الأويغور المسلمة، وتاريخهم معروف بالحركات الانفصالية والاضطرابات السياسية المستمرة.

في حملة متصاعدة وكثيفة على وسائل الاعلام العربية والغربية بدأت تتوارد صور وأحداث عنف وقتل وتهجير من ميانمار (بورما)، ولوحظ تجاوب واسع للطوائف المسلمة في مختلف بقاع العالم مع ما يحصل في هذه الدولة الواقعة جنوب شرق آسيا.

إذاً، ما الذي يحصل فعلاً هناك؟ إذا تذكرنا نحن الذين عشنا في سورية بداية عام ،2011 كيف عملت بروباغندا إعلامية واسعة وممنهجة لدفع المواطنين السوريين إلى النزوح، والتصوير والعرض البشع والوقح للجرائم التي قام بها مجرمو التنظيمات الإسلامية على الإعلام المرئي ووسائل التواصل الاجتماعي، بشكل مشابه لما يحصل في ميانمار الآن، فماهي الحقيقية إذاً؟

في حملات سابقة قامت الحركات الاسلامية السياسية مدعومة من دول عربية ودول غربية بتشكيل منظومة متكاملة من الأخبار والحوادث، جلّها ملفق او مستند على أحداث مدبرة مسبقاً. هكذا فعلوا مع السوفييت في أفغانستان، ثم في ليبيا، ثم في (مجزرة) ميدان رابعة في مصر، ثم مع الجيش السوري في المدن السورية، آنذاك صوروا الجنود السوريين الشرفاء وكأنهم الوحوش الضارية التي تقتل المواطنين (المسلمين) العزّل،
ليتضح بعد سنوات عدة زيف هذه الأكاذيب، وكيف أن الازمة السورية كانت في أحد جوانبها فخاً لجلب العناصر الإرهابية المسلمة من أصقاع الأرض الأربعة للتطوع للجهاد.
حصل ذلك أيضاً في القرن الماضي لإسقاط الاتحاد السوفيتي، وفي هذا العقد لإنشاء الشرق الأوسط الجديد، وما يُحضّر في ميانمار عبر تعاطف دولي عالمي إسلامي مع مسلمي الروهينجا ربما هو مقدمة لإسقاط الصين؟!

أما ما هي مصالح الولايات المتحدة هناك فهي واسعة وإمبريالية محضة، وتشير الدراسات الاقتصادية الى أن ميانمار تملك احتياطياً نفطياً يقدر بنحو ـ2,3 مليارات برميل، و18 تريليون قدم مكعب من الغاز،
وهناك أهمية استراتيجية كبيرة لساحل ميانمار على بحر الصين الجنوبي.وللتنبيه تاريخيا كانت تعتبر بورما النافذة الوحيدة للمياه الدافئة للوصول إلى الصين، وقد استخدمتها الولايات المتحدة لتسليح المقاومة الصينية في حربها ضد اليابان عام 1938.

هذا الساحل هام للغاية ويمكن أن يعتبر ساحل بديل عن إقليم شينج يانج (تركستان الشرقية)، الذي يمر عبره طريق الحرير إلى وسط آسيا، ويربط غرب الصين بمنابع النفط في الخليج العربي عن طريق ميناء جوادر الباكستاني، ونهاية هذه الممرات يُسيطر عليها الأسطول الأمريكي، والتي تهدد بشكل مستمر واردات الطاقة إلى الصين،
وفي عهد الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما جرت زيادة حجم الأسطول الأمريكي في بحر الصين الجنوبي بنسبة 60 %.
لذلك هناك قناعة لدى صناع القرار في الصين أن ميانمار قد تكون حلقة من سلسلة كانت بدأتها بالفعل باحتلال أفغانستان، تسعى الولايات المتحدة من خلالها إلى حصار العملاق الصيني.

الجرائم ضد الإنسانية يجب إدانتها، لكن في الوقت نفسه يجب البحث عمّن يشعل هذه المآسي ويستثمر بها.

 

العدد 1136 - 18/12/2024