شهداء ليسوا كالشهداء..شهداء القوات الرديفة
إن أقدس الدموع هي الدموع التي لم تعرف طريقها إلى المآقي، فظلت حبيسة الروح تمطرها في لحظات الوجد والسمو، وإن أطهر الآهات هي الآهات التي ترفعت عن الزفير فظلت شهيقاً يورق في أروقة الشرايين فينبض بأنينها قلب دام بفراق لا يشبه الفراق ولا يشبه الحزن على من فارق ذاك القلب..
جرعات من ألم تفيض في كل لحظة يفيض بها القلب بحزن من غابوا ورحلوا بصمت ودونما ضجيج إلا ضجيج الرصاصة التي اخترقت أجسادهم، فارتقوا شهداء، ولكن ليسوا كالشهداء.
حتى في الشهادة هنالك تمييز، كتمييز الغني عن الفقير، كالفرق بين الوزير والموظف العادي، كالمميز بواسطته وثقله النخبوي والاجتماعي والمالي، عن نظيره الذي لا واسطة لديه ولا مال ولا ثقل إلا ثقل ديونه.
تمييز في الشهادة! هذا من أصعب أنواع التمييز، فالموت في سبيل الوطن مقدس وهو مبدئي البدايات والنهايات، فكيف يعطى شهيد مكانة عالية، وتعويضاً كبيراً ووظائف لذويه وراتباً شهرياً أيضاً، وفي المقابل يحرم ذوو الشهداء من قوات الدفاع الوطني من معظم تلك المزايا التي منحت لذوي شهداء الجيش السوري؟ أليس في هذا تمييز؟!!
أليس الذي التحق رديفاً أساسياً للجندي السوري، فحمل السلاح معه وسند ظهره وصد معه هجوم الإرهابيين، وشاركه أيام الحصار ولحظات الجوع والعطش، ووضع يده في يده فحملوا جرحاهم معاً ودفنوا شهداءهم معاً أيضاً، واقتحموا وغامروا وأفرغوا مخازن بنادقهم في صدور الخونة والإرهابيين
أليس له الحق أن يعامل معاملة الجندي إن هو استشهد، فيأخذ كامل حقوقه ويحصل ذووه على كل مستحقاتهم كعائلة شهيد تطوع من تلقاء نفسه كي يدحر قطعان الشر التي هاجمت البلد؟! ألا يكفي أنه قدم روحه وحياته ولم يبخل أبداً ولم يتقاعس عن الواجب الوطني إذ ناداه؟! ولم يهرب كما هرب معظم أبناء المسؤولين وكبار التجار والصناعيين من الالتحاق بالجيش والوقوف إلى جانب البلد في محنته.
يستشهد الشهيد من قوات الدفاع الوطني فيعطى ذووه تعويضاً لا يغطي نفقات دفنه، والأصعب من كل ذاك أنه لا راتب يخصص به أهله بعد استشهاده، وربما يكون قد ترك وراءه زوجة وأطفالاً بلا معين ولا راتب، فكيف سيتدبرون أمرهم؟!
ولو أن الدولة تعاملهم كشهداء الجيش لكان التعويض جيداً نوعاً ما مع راتب يغطي مصاريف أسرة ويمنع عنها ذل السؤال والفاقة، ولكان هنالك أيضاً وظيفة لزوجة شهيد الدفاع الوطني أسوة بالوظائف التي منحتها الدولة لزوجات الشهداء من رجال الجيش السوري أو إخوتهم أو أخواتهم…
فلماذا هذا الإهمال بحق الشهداء من القوات الرديفة وبحق أهلهم؟!
ومن خلال المعاناة التي يشهدها ذوي الشهداء من قوات الدفاع الوطني يتضح مدى الفجوة الكبيرة التي يشعرون بها والظلم الذي لحق بهم، بعدم حصولهم على ميزات ذوي الشهداء، والعتب واضح في عيونهم وكلامهم على ذوي الشأن المختص
بأسر الشهداء وعلى أصحاب القرار في استصدار قانون يساوي بين كل من حمل السلاح واستشهد في الميدان واعتباره شهيداً، ومعاملة أسرته كأسرة شهيد والحصول على كل الميزات المتاحة لشهداء الجيش.
أما الظلم الأكبر فهو عدم اعتبار العديد ممن فارقوا الحياة فاستشهدوا في مهمات عسكرية شهداء حتى الآن رغم مراجعة ذويهم لكل الجهات في الدولة، ورغم المراسلات والوعود، والأمثلة كثيرة ومتنوعة وكلها تدمي القلب من مرارتها وقسوتها.
المطلوب ليس صعب التحقيق وليس بمعجزة، المطلوب هو اهتمام أكبر بعائلة كل شهيد من القوات الرديفة ومنحهم ميزات شهداء الجيش تماماً. والأهم هو إقرار قانون يقضي باعتبار شهداء القوات الرديفة كشهداء قوات الجيش السوري بناءً على وثائق الاستشهاد التي تصدرها قيادات القوات الرديفة لمن يستشهد بأرض المعركة
في مواجهة التنظيمات الإرهابية. يطالب الأهالي أيضاً بإحداث وزارة عامة للشهداء ترعى شؤونهم وشجونهم وتكون المرجعية الوحيدة لهم في الدولة والمجتمع، كي تمنع عنهم الذل بكل أشكاله وكي تصون كرامتهم التي يستحقونها.