مملكة الرمال إلى أين!؟
في عشرينيات القرن الماضي، وبمساعدة كلٍّ من وزارة الخارجية والاستخبارات البريطانية، تمكن عبد العزيز آل سعود من السيطرة على شبه الجزيرة العربية، بعد مقاومة شرسة من عدد من القبائل العربية، خاصة من إقليم الحجاز. لكن دموية آل سعود في حربهم كانت رهيبة لدرجة الإبادة، وجرى قتل حوالي ستة ملايين من سكان الجزيرة، على ما يقول المؤرخ ناصر آل السعيد. ومنذ أُنشئت المملكة العربية السعودية في توافق تام مع المصالح الغربية، بريطانيا أولاً ثم الولايات المتحدة لاحقاً، وهي لم تنفك تشارك في ضعضعة العالم العربي، فكان لها يد في مساعدة إسرائيل في نكسة عام ،1967 وفي حرب تموز ،2006 والولايات المتحدة في غزوها للعراق. ودعمت التحالف الدولي ضد سورية، ثم تزعمت التحالف الإسلامي لضرب اليمن، وتواطأت تقسيم السودان، وغرق ليبيا في العنف. وفي الداخل كانت ومازالت عائلة آل سعود تحكم السعودية منذ عقود بالحديد والنار، وحتى وقت قريب كانت الخلافات في العائلة المالكة تُحل في الخفاء ودون ضجة تذكر، ومع قدوم ولي العهد الجديد محمد بن سلمان، ثلاثيني العمر، ووضع ابن عمه وزير الداخلية محمد بن نايف في الإقامة الجبرية، بدأت تطفو إلى السطح تجليات صراع عميق على السلطة ضمن العائلة المالكة.
لكن ما حدث قبل بضعة أيام، تحديداً في الرابع من تشرين الثاني الجاري، يعتبر دون مبالغة بداية عهد (المملكة السعودية الرابعة)، إذ أصدرت الرياض في سابقة هي الأولى من نوعها في تاريخ المملكة عدة قرارات ملكية أطاحت برؤوس كبيرة من النظام السعودي، منها توقيف 18 أميراً أعلن عن أسماء 11 منهم، وأربعة وزراء حاليين، وعشرات من الوزراء والمسؤولين السابقين، بتُهم فساد. منهم الأمير (القوي) متعب بن عبد الله بن عبد العزيز، بتهمة الفساد في صفقات السلاح، وإقالته كوزير للحرس الوطني. وتوقيف الأمير تركي بن عبد الله بن عبد العزيز، أمير الرياض السابق، بتهمة الفساد في مشروع (قطار الرياض). والأمير تركي بن ناصر بن عبد العزيز. والملياردير المعروف الوليد بن طلال بن عبد العزيز، بتهمة غسيل الأموال. ورئيس ومؤسس البنك الإسلامي رجل الأعمال الكبير صالح كامل، واثنين من أبنائه، بتهم الفساد. ورئيس مجموعة ام بي سي التلفزيونية ورجل الأعمال البارز وليد الإبراهيم. ورئيس الديوان الملكي السابق خالد التويجري. واللواء تركي بن عبد الله بن محمد الكبير، بتهم فساد تتعلق بالقوات البحرية. ووزير الاقتصاد والتخطيط السابق عادل فقيه، ووزير المالية السابق إبراهيم العساف. وسعود الدويش، رئيس مجلس إدارة شركة الاتصالات السعودية، بتهم الفساد وترقية عقود على شركاته الخاصة. وخالد الملحم، رئيس الخطوط السعودية السابق وعدد من الشركات الكبرى، بتهم الفساد والاختلاس. وعمر الدباغ محافظ هيئة الاستثمار الأسبق، بعدة تهم تتعلق بـالفساد والتلاعب في أوراق المدن الاقتصادية. ومحمد الطبيشي، رئيس المراسم الملكية السابق، بتهم عدة تتعلق أيضاً بالفساد، وسوء استغلال السلطة.
وجرى تشكيل لجنة للتحقيق بقضايا الفساد، برئاسة ولي العهد محمد بن سلمان، وعضوية رئيس هيئة الرقابة والتحقيق، ورئيس الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد، ورئيس ديوان المراقبة العامة، والنائب العام، ورئيس أمن الدولة.
الآن، بعد هذا الزلزال السياسي في المملكة، ماذا سيكون رد فعل وجهاء القبائل في الجزيرة العربية، وأنصار الأمراء المعتقلين؟ وماذا سيكون رد فعل القوى الإقليمية ممن تضررت من سياسات المملكة التي لم تجلب سوى الويلات والدمار، خاصة من اليمن؟ وما هو رد فعل القوى الكبرى على هذا الانقلاب؟
في الحقيقة من المبكر الحديث عن تداعيات ما حصل، لكن كما يبدو من المشهد العام أن محمد بن سلمان سيكون آخر ملوك آل سعود، وأول ملوك السلمانية (نسبة إلى الملك سلمان)، وهذا بحدّ ذاته تصدّع وخلل بنظام توازن القوى السائد في الجزيرة العربية، خلل ربما سيقود إلى نظام ممالك صغيرة متعددة ومتصارعة.