في الألفة والألاّف حديث في كتاب «طوق الحمامة».. والوطن!
هل يمكن أن يكره الخائن والفاسد والغشاش والمحتكر والمرتشي.. هل يمكن أن يكره هؤلاء المواطن ابن بلدهم، فيكيلوا له من المعاناة ما لا يطاق؟!
أو ربما يكون السؤال على نحو أوضح : هل يمكن أن يكره الناس بعضهم بعضاً من أجل مصالحهم الخاصة التي يعيشون من أجلها في المكاتب والأسواق والحارات، وربما في المراكز الثقافية والمكتبات؟
الجواب يفتح على حوارات كثيرة، لعل أهمها الحديث عن مفهوم المحبة الوطني وضرورة المحبة بين الناس كحاجة اجتماعية وضرورة دفعها لتكون سلماً وطنياً ترتقي علاقات الناس عليه للوصول إلى أعلى درجة في المواطنة والانتماء؟!
السوريون يحبون بعضهم بعضاً، وهذه حقيقة ليست بحاجة إلى الصحف الأمريكية أو السعودية أو الأوربية لتحدثنا عنها، ولكن عندما تتفشى أخلاق هؤلاء الغرباء في بلادنا، ونشاهد بأم العين خائناً أو فاسداً أو غشاشاً أو محتكراً بيننا، يصبح السؤال عن ماذا تروج تلك الآلات الإعلامية في عقول الناس وهل تنجح أحياناً؟!
وللأمانة، فقد أسس العرب للمحبة في كل إبداع تركوه، بدءاً من المعلقات ووصولاً إلى سلطة الصحافة التي نحاول الارتقاء إليها!
ويعتبر كتاب ابن حزم الأندلسي (طوق الحمامة) أو (طوق الحمامة في الألفة والآلاف) من أدق ما كتب العرب في دراسة الحب ومظاهره وأسبابه. وربما لهذا السبب ترجم الكتاب إلى العديد من اللغات العالمية.
وفي صفحات هذا الكتاب الشهير أخبار المحبين وأشعارهم وقصصهم، فضلاً عن البحث في عاطفة الحب الإنسانية على قاعدة تعتمد على شيء من التحليل النفسي يقول ابن حزم:
لقد وطئت بساط الخلفاء وشاهدت محاضر الملوك، فما رأيت هيبة تعدل هيبة محب لمحبوبه، ورأيت تمكن المتغلبين على الرؤساء وتحكم الوزراء. وانبساط مدبري الدول، فما رأيت أشد تبجحاً ولا أعظم سروراً بما هو فيه من محب أيقن أن قلب محبوبه عنده ووثق بميله إليه وصحة مودته له.
يكسر (ابن حزم) الجرة، ويعمل على كشف ما فيها، فالجرة هذه الأيام مغلقة، تشبه تلك التي أسن ماؤها، فينبغي إطلاق محتوياتها للهواء، لعلها تبنت شجرة أو تروي عطش أحد الظمآنين!
في كتاب (طوق الحمامة) يمكن تصور معنى كلمة الطوق الذي تحيط به الحمامة نفسها، ببناء عش جميل دافئ يصلح للهديل وحفظ أمن الفراخ، وكأنه وطن صغير يريد الحمام أن يسوّره بالمحبة!
تلك هي سورية الطالعة من الحرب إلى عزيمة المحبة لتبني سياج وطن، أجمل مافيه أنه قام ويقوم وسيبقى قائماً على المحبة!