جهاز راديو كبير في الصدارة!

كان هناك جهاز راديو كبير في صدر الغرفة التي يجلسون فيها. عندما يدار مفتاح هذا الراديو ينتظرون نحو دقيقة لتتوهج المصابيح الموجودة فيه، ويعلو صوت مذيع من أصوات مذيعي موجاته الكثيرة…

كان الراديو يشبه صندوقاً خشبياً، لكنه صندوق جميل المنظر، له عين واحدة تتوهج بلون أخضر عندما نبحث عن موجاته… مزين بقطعة من (الكنفا) التي تغطي السطح العلوي منه..

منذ سنوات لم يفتح أحد في البيت هذا الراديو. كانوا يعتقدون أنه مجرد تحفة في البيت، وضعه الأب الذي كان يعمل في الإذاعة ذات يوم، ولم يفكر أحد منهم بتشغيله حتى عندما يريدون البحث عن أغنية أو خبر أو شيء ما مما تبثه الإذاعة!

ذلك الصباح، نهض الأب باكراً كعادته. شرب القهوة، وقرأ شيئاً ما في كتاب، ثم اتجه نحو الروزنامة.. لم يتوقعوا أن يقف الأب ملياً عند روزنامة البيت يقرأ فيها التاريخ ويحدق فيه، فما الذي يبحث عنه؟ وماذا يعني شهر شباط؟ وأي مناسبة يمكن أن تكون فيه؟!

هز الأب رأسه..

عاد إلى جهاز الراديو.. مسح الغبار عنه، ثم رتب قطعة (الكنفا) الموضوعة فوقه، ثم استدار وذهب خلفه، وبحث عن شريطه، ثم وضعه في مأخذ التيار الكهربائي القريب منه!

فجأة، توهجت العين الخضراء في جهاز الراديو القديم، وسمع منه هدير خفيف، ثم بحث الأب عن موجة محددة في الجهاز، وإذا هي إذاعة الجمهورية العربية السورية من دمشق!

عندما علا صوت المذيع، ارتسمت ابتسامة واسعة على فم الأب، وانتظر أن تنهال عليه الأسئلة.

–  لم تسألوني ماذا فعلت؟!

وجاءه صوت الأم:

–  أشعلت الراديو يعني؟!

أجاب الأب:

–  لا..

وهنا ثار فضول الجميع:

–  ماذا فعلت إذاً؟!

ارتسمت السعادة على وجهه، وقال لهم:

–  قبل أربعين عاماً بدأت العمل في الإذاعة، وكان ذلك في عيدها، وكان الجيش السوري يخوض حرب الاستنزاف ضد إسرائيل بعد حرب تشرين.

اليوم عيد إذاعة دمشق..

وجاء صوت المذيع من الراديو العتيق:

–  إذاعة الجمهورية العربية السورية من دمشق..

العدد 1140 - 22/01/2025