حسابات المواطن السوري الأخيرة!

انتهى مؤتمر جنيف 2! وصورة الإنسان السوري، مأسوية في المشهد الإنساني العالمي، فهم يرصدون ملامح السوريين بين المخيمات والأوبئة والاقتتال والدم والدمار الذي انتشر في كل مكان من الجهات السورية!

صورة الإنسان السوري، مرتبكة مشوشة في المشهد القومي، فهو الوحيد الذي كان فاعلاً في السياق التاريخي العربي، يرى بوضوح مايرسم لهذه المنطقة ولأمته، فيقاوم ويعاند ويكاسر بجبروت الانتماء، أما الآن فأين هو من كل ذلك؟

صورة الإنسان السوري  قلقة محبطة في مشهده الداخلي الذاتي، فهذا المشهد يعبر عن المشاعر الداخلية وتفاعلاتها، فمازال اليأس يتعارك مع الأمل، ومازال اليقين يحمل الجسد كله، والصبر يهدّ الحيل، كما يقولون!

هذه هي صورة الإنسان السوري كما تتبدى في المشهد الإعلامي، في العالم الذي يكبر ويصغر أمام هذا التطور الهائل لوسائل الاتصال والصحافة!

هناك حقيقة ناصعة واضحة كعين الشمس:

الثمن الذي ترتب ويترتب على الإنسان السوري كبير.. يدفعه من أرواح أبنائه ومن دمهم ولحمهم وطعامهم، والقضية كبيرة، ولم يعد ذلك خافياً على أحد، إنهم يريدون سورية كلها مدمرة خاوية يائسة لاهوية لها، ولكي تكون كذلك لابد من سحب السوري إلى الهاوية من أذنه!

لكن ما الذي وضعه الإنسان السوري في حساباته بعد نحو ألف يوم من اندلاع طوفان المأساة على بلاد الحضارة والشمس؟!

لم تعد تلك الهواجس والشعارات التي أُطلقت في الشارع السوري في آذار2011 والفترة التالية لها تعني أحداً من السوريين: لا الحرية، ولا الديمقراطية، ولا كل شعارات الأرض، فعندما تصبح الحرية مدخلاً لسرقة الوطن.. لا أحد يريدها.. وإذا كانت الديمقراطية هي مايشاهده العالم في منطقتنا.. لا أحد يريدها.. وإذا كانت رياح الغرب وحضارته تحمل كل هذا الدم فلا أحد يريدها!

عند السوري حسابات أخرى:

كانت سورية تحتضن قضايا العرب الكبرى، وتدافع عنها، فأرادوها قضية بين تلك القضايا، وأرادوا للسوري أن ينأى عنها، والسوري هنا لن يتخلى عن هذا، وسيتمسك رغم مأساته!

كانت سورية محصنة بالماء والغذاء والقمح، وكانت تصدر ما لايتوقع أحد وجوده في سورية أصلاً، فصارت تستورد ما لايتوقع أحد وجوده إلا في سورية، والسوري يريد إعادة العجلة إلى الدوران، لأن تحصين بلاده الاقتصادي هو سور من أسوار المحبة بين السوريين.

السوري يرسم حساباته، و حسابات المواطن السوري تصل إلى الحد الذي سيبني فيه سلامه وأمنه ووحدته وهويته، حتى لو كان الثمن المزيد من التضحيات والمزيد من الأمل والأمل!

العدد 1140 - 22/01/2025