أبو شادي الحكواتي لم يقلع عن الحكاية..

يخرج من بيته كل صباح..

يخرج من بيته واثقاً بإيمان السوريين بوطنهم، يتزنر بشال من حرير فوق شروال شامي، ويضع طربوشه الأحمر، ويرسم ابتسامة أمل على وجه طفل عبوس، ثم يشق جموع الناس من بيته إلى مقهى النوفرة، يتكئ على عكازة جميلة ترافقه رغم أنه لم يحنِ ظهره بعد.

يكرر ذلك كل يوم ليعيد للحكاية الشعبية رونقها من فم يشبه فم الناس ولسانهم، وحماسة تشبه حماسة المنصتين إليه في المقهى وفي كل جلسة يجلس فيها.. وبالتأكيد يعرفه الكثير من السوريين والأجانب لأنهم يعرفون حكاياته.

إنه أبو شادي الحلاق (حكواتي الشام)، كما سماه ابنه في الفيلم القصير الذي أعده عنه. وفي السنتين الأخيرتين قرأت تحقيقات ولقاءات صحفية كثيرة تحدثت عن أبو شادي كآخر (حكواتية) الشام، وكان العنوان مثيراً ولافتاً ويائساً في آن واحد.

وكنت أخاف من هذه المبالغة، لأنها تعني أننا قادمون على غياب ظاهرة تراثية وثقافية لافتة، هي الحكواتي، والحكواتي نفسه أي أبو شادي لايقبل هذه الخطوة، وهذه المبالغة..

وقبل نحو شهرين عرفت أن أبو شادي انكفأ عن الحكاية في المقهى منذ فترة طويلة. وسألته عن ذلك، ولم يكن في أجوبته إلا الرغبة في التجدد، وكان في جعبته مجموعة مشاريع مهمة تتعلق بالحكاية!

شعرت بالاطمئنان.. إذن لن تتوقف الحكاية..

أشعلت الحرب الضروس على السوريين.. أشعلت في نفوس الناس خوفاً كبيراً على كل شيء جميل، لأن الحرب تعمل بطريقة مدروسة على إحراق كل شيء جميل، ومن بين هذا الجميل هو الصدق والحكاية، والصدق والحكاية هما أكبر إنجاز تاريخي لجمع المتناقضات!

الحكاية تعتمد على الخيال والمبالغة، والصدق قيمة أخلاقية لايمكن العبث بها.

على هذا الأساس يبدو أنهما – أي الصدق والخيال – نقيضان، إذ كيف يمكن الجمع بين الصدق والخيال وكل منهما يعزف على مقام..

في واقع الأمر جمعهما الفن والأدب، فجعل من الحكاية وليدة هذا الجمع، لأن من الضروري أن نكتب بصدق ونتحدث بصدق، حتى لو أشعلنا الخيال،  ليظهر الجميل على حقيقته!

الحكاية في بلادنا من الأشياء الجميلة، فهل سيحرقونها؟!

أبو شادي الحلاق يضحك.

إنه يعرف جيداً أن أحداً لايستطيع أن يحرق الحكاية، لأن قصة إحراق الحكاية هي اشتعال جديد لموسم الحكايات.. بل أفضل حكاية تحكى لاستئناف هذا الفن الأزلي!

هل ستجرؤ الفضائية السورية على تقديم حكواتي الشام في حكاية عن طموح مدينة ترفض الاحتراق؟!

تلك جرأة، سيقدم عليها مدير تلك الفضائية خالد مجر..

العدد 1140 - 22/01/2025