عندما ينحني جبل قاسيون!
عرف السوريون جبل قاسيون رمزاً لهم..
حمل في اسمه قساوة الصمود لأن صخوره من أقسى صخور العالم، وقد قيل إن هذه القساوة أعطت الاسم لهذا الجبل الذي يحتضن أقدم مدينة مأهولة في التاريخ..
وكل من يرى دمشق وقاسيون من بعيد يكتشف أن جبل قاسيون أوحى في شكله أنه جندي يقظ عند تخوم المدينة الغالية!
إذا نظرت إلى جبل قاسيون من قلب المدينة تراه يحتضن بيوت السوريين ومساجدهم وكنائسهم وأشجارهم بحنان، وفي الوقت نفسه تراه يختال بعزة وكرامة، وكأنه خلاصة التاريخ يريد أن يحكي للناس شهادة عن كل حقبة عاشها من عمر الزمن..
وإذا رنوت إلى جبل قاسيون من جهة الشرق خلته متحفزاً لمواجهة الأعداء القادمين من الغرب والجنوب، ومن الغرب والجنوب جاء غزاة كثيرون.. جاء محتلون وانهزموا.. وإذا صعدت إلى قمة الجبل لتنظر إلى المدينة تراها آمنة مطمئنة!
اليوم سننظر إلى جبل قاسيون من جهة التلة الجنوبية تلة قصر الشعب، فمن هناك ترى الجبل متواضعاً خاشعاً مؤمناً بالله والوطن، ويحمل على ظهره عبارة هي قدر السوريين الأوفياء لوطنهم على مر الزمن. تلك العبارة هي آية كريمة من القرآن الكريم تقول:
(لاتحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتاً بل أحياء عند ربهم يرزقون)
تلك الآية الكريمة خطها السوريون على صرح كبير صمموه ليحمل أكثر من معنى. فيأخذ من قاسيون التاريخ، ومن الحروب الصلابة، ومن المكان شعلة مجد..
إنه يشبه الخوذة العسكرية، والخوذة في عرف جيوش العالم هي القوة الصلبة التي تحمي رأس الجندي، وبين صلابة الخوذة وصلابة جبل قاسيون حكاية كل الحروب الوطنية التي خاضها السوريون ضد الغزاة والمحتلين والمستعمرين..
ترتكز الخوذة على قائمتين ضخمتين قويتين توحيان للناظر إليهما بأنهما واقيتا خوذة الشهيد البطل يوسف العظمة التي ارتداها وهو يشد الرحال إلى ميسلون ليواجه الجنرال غورو، وليثبت للتاريخ أن دمشق يجب أن تقاوم..
ومن حول الخوذة قوس حجري أبيض يأخذ تشكيلاً هندسياً موحياً ليؤكد أن الخوذة الصلبة يؤطرها ويحتضنها قوس النصر..
أما الآية الكريمة، فقد حفرت بماء الذهب على شريط أخضر يلف الخوذة من أسفلها..
ذلك هو صرح الشهيد فوق جبل قاسيون.. هل شاهدتموه؟!
وحده الذي جعل جبل قاسيون ينحني بتواضع..