أهم المستجدات الاقتصادية والاجتماعية (تقرير)
قدّم الرفيق فؤاد اللحام (عضو المكتب السياسي للحزب)، لاجتماع اللجنة المركزية بتاريخ 24/2/2017، تقريراً موجزاً عن أهم المستجدات الاقتصادية والاجتماعية، هذا نصّه:
دخلت الأزمة السورية عامها السابع وما تزال آثارها ومنعكساتها السلبية على مجمل الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية تزداد بشكل مستمر، نتيجة استمرار حالة المقاطعة والحصار، وتراجع الموارد الحكومية، واشتداد حدّة المعارك العسكرية ضد الجماعات التكفيرية الإرهابية في مناطق عديدة من البلاد، ما أدّى إلى ازدياد الدمار والخراب وارتفاع الخسائر المادية والبشرية من القتلى والجرحى والمعاقين، وازدياد أعداد المشردين والنازحين والمهاجرين، واستمرار تراجع المستوى المعيشي لمن بقي في أرض الوطن سواء في المناطق الآمنة أو المشتعلة، بسبب فقدان عدد من المواد الضرورية وارتفاع أسعارها، وتدنّي الأجور والموارد .
وتشير آخر البيانات الرسمية المعلنة حتى تاريخه عن خسائر بعض الوزرات إلى أنها بلغت 65 مليار دولار في قطاع النفط، وحوالي 2 تريليون ليرة سورية في القطاع الصناعي (العام والخاص)، و280 مليار ليرة سورية في قطاع النقل، وأكثر من 50 مليار ليرة سورية فوات إنتاج ومنفعة، كما بلغت قيمة الأضرار المباشرة في القطاع الزراعي 94 مليار ل.س، و1100 مليار ليرة سورية فوات إنتاج…
خلقت استعادة المنطقة الشرقية من حلب حالة من التفاؤل والأمل بقرب التوصل إلى توافق محلي إقليمي دولي يضع بداية مشجعة لانهاء الأزمة ومعالجة أسبابها ونتائجها السياسية والاقتصادية والاجتماعية، ويمهّد الطريق للانتقال إلى نظام ديمقراطي تعددي يضمن وحدة البلاد ويحقق التنمية العادلة والمتوازنة لمختلف أبنائها ومناطقها، إلا أن هذا التفاؤل ما يزال – حتى الآن – يزداد وينقص بين فترة وأخرى حسب حالة الاشتباكات والتفاهمات الإقليمية والدولية بين الأطراف المعنية بالأزمة السورية حول هذه الأزمة ، ما يؤكد الحاجة إلى مزيد من العمل للوصول إلى الحل المنشود أو المقبول، واتخاذ الإجراءات والتدابير اللازمة للحيلولة دون حدوث المزيد من تدهور الأوضاع في البلاد وخاصة الاقتصادية والاجتماعية.
شهدت الفترة المنصرمة اجتماعات حكومية مخصصة لمعالجة عدد من المواضيع الاقتصادية والاجتماعية الملحة ، كما نُفّذت العديد من الزيارات الميدانية والاجتماعات الرسمية والشعبية التي عقدتها الحكومة وأعضاؤها بهذا الخصوص، في عدة مدن ومناطق، وخاصة في حلب بعد استعادة المنطقة الشرقية منها. وقد أُطلقت في ضوء هذه الزيارات واللقاءات الكثير من الوعود، وجرى تشكيل عدد من اللجان لمعالجة المشاكل التي تواجه المواطنين والصناعيين والتجار والعمال والمزارعين ، إلا أن ما نُفّذ من هذه الوعود والقرارات وخاصة في مدينة حلب، لايتناسب – حتى الآن – مع حجم المشاكل والصعوبات الموجودة هناك، والتي تعيق بدء تعافي المناطق المتضررة وتعيق كذلك الأنشطة الاقتصادية، ما يتطلب معالجة جدية أكثر سرعة وفعالية .
كما شهدت البلاد خلال الفترة الماضية – ولم تزل- أزمات متكررة وطويلة نتيجة نقص عدد من المواد والخدمات الضرورية ( كهرباء ، مازوت ، غاز، بنزين…) ، وفي الوقت الذي كانت هذه الأزمات تنحصر سابقاً بين الحين والآخر بإحدى هذه المواد جاءت الظروف الحالية لتشملها جميعاً، وتزداد شدّتها مع قطع المياه عن دمشق وحلب، إضافة إلى مشاكل النقل والدواء والخبز… وقد طرحت هذه الأزمات تساؤلات مشروعة حول أسباب التأخر أو القصور في اتخاذ التدابير اللازمة لمواجهة الاحتمالات والتوقعات الممكنة بخصوصها بشكل مسبق. يضاف إلى ذلك أن العديد من اللجان التي جرى تشكيلها لمعالجة عدد من القضايا والمشاكل الاقتصادية والاجتماعية لم تنجز عملها حتى الآن، وفي مقدمتها موضوع القروض المتعثرة والتمويل وضمان المخاطر والمشاريع الصغيرة والمتوسطة وغيرها….
وخلال الفترة الفاصلة بين اجتماعي اللجنة المركزية ، شهد سعر صرف القطع الأجنبي استقراراً واضحاً، وكان السعر الرسمي للدولار أعلى من سعره في السوق السوداء في بعض الأوقات، إلا أن منعكسات ذلك على أسعار المواد كان محدوداً وجزئياً. ومنذ بداية هذا الشهر بدأ سعر الدولار في السوق السوداء بالارتفاع بحوالي 20 ليرة سورية، وقد أرجعت بعض المصادر هذا الارتفاع إلى السماح للصناعيين والتجار باستيراد المازوت والفيول والغاز، الأمر الذي يمهد لارتفاع جديد في الأسعار، وتوجُّه الحوالات الخارجية إلى السوق السوداء عوضاً عن السوق النظامية، ما لم تُتّخذ الإجراءات اللازمة بهذا الخصوص ومنها تعديل سعر صرف هذه الحوالات إلى سعر قريب من سعرها في السوق السوداء كما كان قبل الارتفاع الأخير .
إن الجهات الحكومية المعنية، رغم ما بذلته من جهد وكما بات واضحاً للجميع ، لم تستطع مواجهة نتائج الأزمة ومعالجتها بالشكل المطلوب. وإذا كنا جميعاً نقرّ بصعوبة الظروف والأوضاع الاستثنائية التي تواجهها البلاد منذ نشوب الأزمة حتى الآن، إلا أننا نرى بالمقابل أن الجهود المبذولة من أجل معالجة هذه الظروف لم تكن بالمستوى الاستثنائي المطلوب، لأن الكثير من هذه الإجراءات المتخذة جاءت في كثير من الأحيان مجتزأة ومتأخرة وبطيئة التنفيذ، وتعتمد سياسة العمل وإطفاء الحرائق يوماً بيوم دون التطرق إلى سياسات وإجراءات متكاملة تستند إلى رؤية واقعية وتوقعات مستقبلية لاحتمالات تطور الأحداث، واتخاذ الإجراءات والتدابير اللازمة لمنعها أو الحد من تأثيرها عند حدوثها. وهذا يعود بشكل رئيسي إلى ضعف الخبرات العملية لغالبية المسؤولين المكلفين بهذه الأمور، وعدم تشكيل فريق أزمة منذ البداية على المستوى المطلوب من الخبرة والكفاءة والنزاهة ومنحه الصلاحية اللازمة لتنفيذ ما يجب تنفيذه.
يضاف إلى ذلك متابعة النهج الليبرالي الجديد الذي كان سائداً قبل الأزمة وكان واحداً من أسبابها، بذريعة إيصال الدعم إلى مستحقيه، وتراجع موارد الدولة، والعجز الكبير في ميزانيتها، فقد رُفعت أسعار العديد من السلع والخدمات الحكومية المدعومة وفُرضت ضرائب ورسوم جديدة بمسمّيات مختلفة ورفعت نسبة الموجود منها. ولم تميّزعملية رفع أسعار هذه السلع والخدمات بين مستحق للدعم من العمال والفلاحين وصغار الكسبة والموظفين، وغير مستحق للدعم من ذوي الدخل غير المحدود الذين يستطيعون عكس كل هذا الغلاء على أسعار بضائعهم وخدماتهم، بل طبّقت على الجميع دون استثناء ، وكذلك لم تنفّذ حتى الآن البطاقة التموينية الإلكترونية للمواطنين التي تحدّث عنها المسؤولون مرات كثيرة .
وفي الوقت الذي ارتفعت فيه الأسعار ما بين 8 أضعاف إلى 12 ضعفاً عما كانت عليه قبل الأزمة ، فإن رواتب العاملين في الدولة والمتقاعدين منهم لم تزدد ، تحت كل المسميات، بأكثر من 150% خلال السنوات الست من عمر الأزمة ، وهذه الزيادات لم يحصل عليها سوى جزء من المواطنين، إضافة إلى ضعف الإجراءات المتخذة في معالجة مواضيع الغلاء والاحتكار والفساد، وعدم التعامل بشفافية ووضوح في العديد من الإجراءات والتدابير والقضايا الاقتصادية والاجتماعية ، وانتشار مستغلي الحروب والأزمات واتساع نفوذهم وتأثيرهم. إضافة إلى زيادة نسبة البطالة والفقر بكلّ أشكاله.
إن الحزب الشيوعي السوري الموحد يؤكد مجدداً ضرورة المعالجة المتكاملة للأوضاع الاقتصادية والاجتماعية الراهنة، ويجب ألا تقتصر فقط على معالجة الآثار الناجمة عن الأزمة وحسب، بل معالجة الأسباب الاقتصادية والاجتماعية التي ساهمت في حدوثها، وذلك من أجل زيادة النجاعة والفعالية للإجراءات المتخذة من ناحية، وللحيلولة، من ناحية ثانية، دون حدوث أزمات مشابهة في المستقبل، وذلك من خلال العمل على ما يلي:
1- التأكيد على نهج التعددية الاقتصادية و على دور الدولة الأساسي في معالجة آثار الأزمة ومرحلة إعادة البناء والإعمار، وتفعيل دورها الإنمائي والرعائي في دعم الفئات الشعبية والمتضررين من الأزمة، وتوجيه القطاعات الاقتصادية الأساسية وتملّكها وإدارتها للمرافق الاستراتيجية المتصلة بالسيادة والأمن الوطنيين.
2- دعم القطاع الخاص الوطني المنتج بكلّ أشكاله ، وتشجيعه على الاستثمار وإعادة تأهيل منشآته وتشغيلها، وبشكل خاص في القطاعات الإنتاجية (الزراعة والصناعة ) ، وتوفير البيئة التمكينية له في هذا المجال وحمايته ودعمه دعماً فعّالاً ومدروساً.
3- إقرار برنامج متكامل لإصلاح القطاع العام ضمن فترة زمنية محددة، يستند إلى ما يلي:
أ- دراسة أوضاع كل الشركات العامة بشكل علمي وتحديد نقاط ضعفها وقوتها والتحديات التي تواجهها، والفرص المتاحة أمامها سواء لاستمرار عملها الحالي أو التحول لمنتجات وخدمات جديدة ذات جدوى اقتصادية واجتماعية، خاصة في جهات القطاع العام المتعثرة.
ب- توفير البيئة التشريعية والتنظيمية والإدارية والمالية المناسبة التي تحقق التوازن بين المسؤولية والصلاحية فيه، وبشكل يمكّنه من العمل والتوسع كالقطاع الخاص.
ج – اعتماد أسلوب مناسب لاختيار الإدارات يعتمد على المسابقة وشرط توفر الكفاءة والنزاهة بغض النظر عن الانتماءات الحزبية .
د – التركيز على التدريب والتأهيل المستمر لكل المستويات الإدارية والإنتاجية والخدمية، والمحافظة عليها.
هـ- اعتماد نظام حوافز عصري وفعّال يرتكز على جودة المنتج مادياً كان أو خدمياً، وخفض تكاليفه وحسن تسويقه.
و – العمل على تأهيل العمالة الفائضة، وإعادة توزيعها وقيام وزارة المالية بتحمّل أجورها وتعويضاتها خلال ذلك، وبالتالي عدم عكسها على تكاليف الإنتاج والوضع المالي لشركات القطاع العام.
4- تحسين بيئة الاستثمار وتعديل القوانين المرتبطة به، بما يشجع على جذب الاستثمارات المحلية والخارجية وخاصة في القطاعات الإنتاجية ( الصناعة والزراعة والبناء والتشييد) وتحديد المشاريع الأساسية المقترحة وذات الأولوية في المساهمة السريعة والفعالة في مرحلة إعادة البناء والإعمار في كل المناطق المتضررة.
5- إطلاق حملات وطنية داخلية وخارجية واتخاذ الإجراءات اللازمة لتشجيع المستثمرين السوريين الذين غادروا سورية على العودة، وإعادة تأهيل منشآتهم وتشغيلها في سورية، وكذلك تشجيع الكفاءات العلمية والفنية والاقتصادية على العودة إلى الوطن والمشاركة في إعادة بنائه وتطويره.
6- إعادة تفعيل الدور التدخّلي الإيجابي للمؤسسات التجارية العامة وتوسيعه، بما يؤمّن توفير المواد الأساسية واستقرارها بأسعار مناسبة للمواطنين، وإعادة النظر بشكل مستمر بالرواتب والأجور بما يحقق توازنها مع متطلبات المستوى المعيشي اللائق للمواطنين وتطويره بشكل مستمر، وضبط الأسواق والأسعار، وإعادة العمل بالبطاقة التموينية وتوسيعها لتشمل مواد إضافية وضرورية أخرى.
7- توفير فرص العمل الجديدة من خلال تشجيع الاستثمار وخاصة في المشاريع الصغيرة والمتوسطة والمتناهية الصغر وتوفير البيئة التي تمكنها من تحقيق أهدافها .
8- التركيز على إعادة الأمن والأمان للمجتمع السوري واتخاذ الإجراءات والتدابير الصارمة اللازمة لمجابهة واستئصال المظاهر والممارسات السلبية والخطيرة التي برزت خلال الأزمة، من خطف ونهب وقتل وسرقة وتزوير واحتيال واتجار بالبشر والمخدرات واستغلال المواطنين، وإنهاء حالات التوقيف والاعتقال الكيفي، وتطبيق الدستور فيما يتعلق بحريات المواطنين.
9- إعداد البرامج التدريبية لرفع كفاءة الكوادر البشرية القائمة الموجودة حالياً وكذلك تأهيل الكوادر اللازمة لسد النقص قي اليد العاملة في مختلف القطاعات الاقتصادية والخدمية، والبدء بتنفيذ هذه البرامج منذ الآن، وإعطاء الأولوية في ذلك للمهجرين والنازحين وذوي ضحايا الأزمة سواء كعاملين أو كأصحاب حرف ومشاريع متناهية الصغر.
10- معالجة الآثار البيئية السلبية التي نجمت عن الأزمة، سواء المتعلقة بالتربة أو المياه أو المساحات الخضراء، واتخاذ الإجراءات والتدابير الكفيلة بترشيد استخدامات المياه وتطبيق أساليب الري الحديث في الزراعة، وزيادة مردود وحدة المساحة وبشكل خاص للمنتجات الاستراتيجية كالقمح إلى مستوى البلدان الأخرى ذات الظروف المشابهة، وإعطاء الاهتمام اللازم لتطوير الثروة الحيوانية وخاصة الأغنام والماعز لأنها ثروة وطنية ومنتَج تصديريّ هام.
11- التعاون مع الدول الصديقة في مختلف مجالات إعادة البناء والإعمار من خلال الشركات الوطنية العامة والخاصة، وعدم إغلاق الباب أمام أية جهود أخرى مقبولة من دول أخرى تخدم عملية الإسراع في إعادة تأهيل الاقتصاد الوطني أو / و في تلزيم الأنشطة أو المشاركة في تطوير وتشغيل الشركات القائمة وإقامة المشاريع المشتركة، واعتماد الشفافية في تنفيذ هذه البرامج، لتجنّب خلق بؤر فساد جديدة وأثرياء وفاسدين جدد أو متجددين من ناحية، وبشكل يضمن استقلالية القرار السياسي السوري من ناحية أخرى.
12- تنفيذ برامج إعادة تأهيل وتثقيف للمجتمع وخاصة الأطفال والشباب، بالتعاون مع الأحزاب والجمعيات الأهلية، بهدف إعادة روح التسامح والعيش المشترك، وبث روح الأفكار التنويرية ونبذ التعصّب الديني والطائفي والعرقي . وتكثيف الجهود واتخاذ الإجراءات اللازمة لاستدراك ما فات الأطفال وطلاب المدارس والجامعات من تأخر الالتحاق بالتعليم الأساسي والتحصيل العلمي المناسب في المراحل اللاحقة نتيجة الأوضاع الناجمة عن الأزمة.