على دفاتر قسطنطين زريق.. ثمة عبارة مهمة!
أخفى المفكر العربي الراحل الدكتور قسطنطين زريق شيئاً مهماً يتعلق بمشاعره تجاه مستقبل العرب القادم، فيما لو لم يكونوا قوميين في برامجهم وخططهم أو متحدين أو متفاهمين على الحد الأدنى لمواجهة الرياح العاتية ضدهم التي تريد اقتلاعهم كل يوم!
وإذا كانت السنوات الأربع عشرة التي مرت على رحيله، قد حملت لنا أكثر مما كنا نتوقع من مآس، فإن أهم مأساة نعيشها اليوم هي تفتّت العرب، في واحدة من أبشع مراحل الضعف العربي أمام الغزو الهمجي عليهم.
توفي قسطنطين زريق في الثاني عشر من آب عام 2000 وفي جعبته 86 عاماً من حياة غنية قضى أكثرها وهو يفكر بنا، على أرضية أن قيامة العرب لن تقوم إلا بتفكيرهم القومي العلمي العقلاني القائم على التطلع إلى المستقبل، في لعبة توازنات العصر!
هناك عبارة مهمة مرت في عناوين كتبه الكثيرة، وقبل أن أتحدث عنها، لابد من مشاركته الرأي بأن قضية فلسطين هي أخطر قضية أثرت وتؤثر وستؤثر على مصير الأمة العربية بمجموعها.
نشر الدكتور قسطنطين زريق عدداً كبيراً من الكتب أهمها كتاب (معنى النكبة) عن نكبة فلسطين عام .1948. ويرى الباحثون القوميون العرب أن هذا الكتاب هو الذي أطلق شهرة الراحل كمفكر قومي.
وعندما وقعت هزيمة حزيران عام 1967 لم يجد قسطنطين زريق بداً من أن ينشر كتابا آخر تحت عنوان (معنى النكبة مجدداً) استشرف فيه، كما في الكتاب الذي قبله مواطن الضعف العربي بوصفها سبباً لما يحصل.
وجد زريق أن من أهم عوامل الضعف العربي هو ضعف الروابط الداخلية، وتخلف المناحي العقلية، والتبعية الاقتصادية والعلمية والتكنولوجية، ولو أنه كان حياً هذه الأيام لأضاف إلى كتبه كتاباً جديداً يؤكد فيه مرجعية العرب ومآلهم.. وبالتأكيد كان سيضع عنواناً مكرراً مهماً هو (معنى النكبة في عصر داعش!).
لم يلتفت العرب إلى كل الدروس السابقة، لذلك تتكرر مآسيهم وهزائمهم.. يتجاهلون القوة الكامنة فيهم، فتهزمهم القوة التي يكتسبها غيرهم نتيجة ضعفهم وتمزقهم.. وفي كتابه (في معركة الحضارة) يرجع المفكر القومي قسطنطين زريق مكونات حضارة أي أمة إلى مصدرين أساسيين هما الثقافة والمدنية، والحضارات التي ظهرت في التاريخ، كما يقول، متعددة ومختلفة، لكنها مشتركة فيما بينها بأنها تنبثق عن طبيعة إنسانية واحدة، وتعبر عن معان إنسانية أصيلة.. أما الحضارات الحية اليوم فيؤمل أن تسير بفعل قوى العصر، في طريق التآلف لتكون حضارة إنسانية موحدة حقاً، ولكل من هذه الحضارات مظاهرها ومقوماتها، وتبدلاتها وتأثراتها وتأثيراتها.. تلك كانت أمانيه التي أحبطها الزمن العربي، وتلك كانت أول ضحية في زخم المؤامرة الكونية على الحضارة.