التقرير السياسي أمام اجتماع اللجنة المركزية للحزب الشيوعي السوري الموحد

الإدارة الأمريكية شريكة في إنعاش داعش

 قدّم الرفيق حنين نمر (الأمين العام للحزب الشيوعي السوري الموحد)، في اجتماع اللجنة المركزية للحزب، تقرير المكتب السياسي عن آخر المستجدات، وقد ناقشت المركزية التقرير وأقرته، وقررت نشره في (النور):

كنا قد أشرنا في تقريرنا السابق إلى أن المنطقة العربية تقف على أبواب مرحلة جديدة تختلط فيها الحروب والتوتر والجوع والاستبداد، مع تحركات احتجاجية واسعة ذات طابع وطني واجتماعي، تتركز ضد الرجعية العربية التي تستشرس في نشاطها التابع للإمبريالية، وتبدد الثروات العربية وتنفقها على جيوش المرتزقة هنا وهناك، وقد انتقلت إلى مرحلة أعلى هي التحالف مع إسرائيل، بذريعة الخطر الإيراني المزعوم.

وتتحول حياة الشعوب العربية إلى جحيم لا يطاق، مع استمرار النهب الإمبريالي، فلا يجد مواطنونا إلا هجرة أراضيهم وبلدانهم بحثاً عن لقمة العيش، أو توخي الأمان والسلام والعمل لدى الدول نفسها التي تنهبهم، وتُعمل الدول الاستعمارية في بلادنا العربية مزيداً من التقسيم وتحويل الوطن العربي إلى ماكينة لتفريخ دويلات قزمة لا يمكنها العيش دون احتضان الدول الكبيرة لها، وهنا ينشأ التناقض بين المطامح القومية المشروعة لدى بعض المكونات الكبيرة، وعدم وجود ظروف موضوعية أو ذاتية تتحقق فيها هذه المطامح، ويشكل هذا التناقض بؤرة لخلق مزيد من التوترات والحروب يستغلها الإمبريالي العالمي أبشع استغلال، لتأجيج نار الفتن المذهبية والطائفية والعرقية وتمزيق النسيج الاجتماعي لدولنا وشعوبنا.

مواجهة التوحش الإمبريالي

إن مطامحنا كشعوب تتجلى في المرحلة الحالية في استتباب السلام بالدرجة الأولى، وإغلاق بؤر التوتر عبر حصول الشعوب المحتلة أراضيها على استقلالها، والمحافظة على وحدتها، ولكن الإمبريالية الأمريكية خاصة التي أخذت على عاتقها استمرار إغراق الدول في بحر من الدماء، يبدو أنها مصممة، على خيارها هذا لحل المشاكل العالمية العالقة، ويشكل ذلك التناقض الرئيسي للحياة على هذا الكوكب في المرحلة المنظورة.

إن تطور الأحداث في سورية الذي يجري بشكل متسارع ويومي تقريباً، يشكل مثالاً واضحاً على ذلك.. لقد قّدم الرئيس الأمريكي ترامب بعض الوعود الانتخابية يؤيد فيها الحل السياسي، ولكن سرعان ما انقلب على هذه الوعود بعد الانتهاء من الانتخابات، وهنا يحتاج الأمر إلى كثير من الجهد والمعلومات التفصيلية لمعرفة أسباب تقلبات الموقف الأمريكي، ولكن في جميع الأحوال فإن جوهر السياسة الأمريكية لا يتغير وإن تعددت الاجتهادات والمناورات.

صناعة التسلح والتطرف

إذ إن ضغوط الدولة العميقة في أمريكا وأرباب صناعات التسلح وبعض المدارس ومراكز الأبحاث الدينية والسياسية المتطرف، والضغوط اليهودية داخل الولايات المتحدة، قد دفعت ترامب إلى العودة لأساليب حافة الهاوية والتكشير عن الأنياب تجاه الصين وروسيا وسورية وكوريا، وتجلت مؤشرات التراجع هذه في التصريح الأمريكي الذي اتخذ الطابع الاستفزازي بالقول إن أمريكا ستُبقي قواتها الموجودة في ثماني قواعد سورية حتى الانتهاء من خطر داعش، بينما كان الأمريكان يصرحون بأنهم (انتهوا) من القضاء على داعش، وأن خروجهم من سورية معلق حتى إتمام العملية السلمية للأزمة السورية.

قواعد عسكرية أمريكية وجيش من بقايا داعش

وفي الوقت ذاته أطلق وزير الدفاع الأمريكي إعلانه الشهير أيضاً بأن حكومته تشكل جيشاً جديداً باسم جيش سورية الجديد الذي يبلغ قوامه 30 ألف مقاتل، المؤلف من بعض العشائر وقدامى درع الفرات والفارين من داعش الذين أنقذت القوات الأمريكية حياتهم بعد هزيمة مجموعاتهم، واستكمالاً للنهج الأمريكي المستجد، وبشكل استفزازي واستعراضي، وضعت آلة الدعاية الأمريكي ملف السلاح الكيماوي قيد التداول ثانية، واستنفرت كل ما لديها من وسائل الكذب لتشويه سمعة روسيا وابتزازها رغم نفي الدولتين تصنيع الأسلحة الكيماوية واستخدامها من قبل الجيش السوري.

وهناك العديد من المواقف التي تثبت ممانعة أمريكا لتصفية الإرهابيين في سورية، بل بالعكس فإنها شريكة فعالة في ميدان إنعاش داعش وضم بقاياها إلى القواعد العسكرية الأمريكية في شمال شرق محافظة الحسكة السورية، وتشكيل قوة عسكرية مشتركة كأداة للجيش الأمريكي لحماية مصالحها القديمة والحديثة في الأراضي العربية السورية.

وتتخذ الإدارة الأمريكية مواقف متصلبة أو معرقلة لمساعي الحل السياسي، بالتنسيق مع بعض الدول الأوربية وخاصة فرنسا، كان آخرها الموقف من مؤتمر (سوتشي)، فقد قاطعته وعدّته مؤتمراً غير محايد، فضلاً عن الموقف السيئ جداً الذي اتخذته الدول الخمس تجاه الأزمة السورية، والذي أصدر وثيقة ملؤها الأفخاخ السياسية المنافية لأبسط مبادئ احترام سيادة الدول.

إن مساعي الحل السياسي تقف الآن أمام منعطف حاد، فقد تطيح المواقف الأمريكية والغربية بما أنجز في سوتشي، وأهمها البيان الختامي الذي يؤكد وحدة أراضي سورية واستقلالها وسيادتها، وتشكيل لجنة لدراسة التعديلات المحتملة على الدستور الحالي، وهذا هو مفهومنا حول مخرجات سوتشي، وفي حال نجاح ديمستورا ومن ورائه دول الغرب في تشويه وتزييف مقرراته، سواء من حيث صياغة بعض الأفكار والمفردات أو من حيث تركيب لجنة الدستور، فذلك سيؤدي إلى تعثر إضافي في إتمام العملية السياسية، والعودة إلى أجواء التوتر التي لا يستطيع أحد أن يقدر منذ الآن ماذا ستكون نتيجتها.

العيون على النفط والغاز

لكن قرار الموافقة على سوتشي من عدمه وإفشال المؤتمر، هو قرار يتأثر بالدرجة الأولى بالموقف الأمريكي والتوازن الدولي، ولكن لا يعني بالضرورة حصول حرب أو عدوان جديد واسع ضد سورية، وإن كانت النية متوفرة لدى الأمريكان، لمثل هذا العمل الأحمق، فليس من المحتم حدوثه، وهناك أوساط واسعة في العالم تشجب وترفض مثل ذلك، وإن حصل فليس من المتوقع أن يكسب المعركة عسكرياً، بسبب قوة الجيش السوري التي ازدادت خلال حرب السنوات السبع، وبسبب دعم الحلفاء له.

وننبه إلى أن أحد الأسباب الرئيسية لانخراط أمريكا في حربها ضد سورية، هو رغبتها في احتلال مكامن الثروات الطبيعية في المناطق الشمالية الشرقية.

إن هذا الواقع الصعب يضع أمامنا- نحن الشيوعيين السوريين وحلفاءنا وأصدقاءنا- مهمة التحضير لما هو قادم، كما يجب متابعة الأوساط الرسمية لكي تكون جاهزة لأي طارئ محتمل.

غير بعيد عما سلف، فإن الضغوط التي تتعرض لها سورية هي استمرار للضغوط المستمرة منذ خمسينيات القرن الماضي، ويضاف إليها اليوم الضغوط الإسرائيلية، التي تجسدت بالعدوان الجوي على مواقع عسكرية سورية، وبالرد الشجاع من قبل سلاح الدفاع الجوي السوري.

التفوق الإسرائيلي ليس قدراً

إن القيمة الكبيرة التي اكتسبها الرد السوري تتجلى قبل كل شيء بالقرار السياسي الذي أنجب هذا الرد، ما يعني أن التفوق العسكري الإسرائيلي لم يعد قدراً محتوماً.

لقد حاولت إسرائيل منذ بدء العدوان الغربي – الإرهابي- الرجعي على سورية قبل 7 سنوات، أن تنأى بنفسها عن المشاركة به، واكتفت بالترويج السياسي له، ومع تطور الأحداث واشتداد الاحتقان على تخوم الأراضي السورية المحتلة، تطورت العلاقة بين الكيان الصهيوني والفصائل الإرهابية السورية، ووصلت إلى مستوى معالجة الجرحى منهم في المشافي الإسرائيلية، وتقديم خدمات متعددة لوجستية وعسكرية لهم.

ولما اكتسح الجيش السوري مواقع الفصائل الإرهابية في جبل الشيخ مؤخراً، وقطع الشريط العازل الذي كان مخططاً له، اضطرت إسرائيل إلى توسيع نطاق تدخلها براً وقصف مواقع سورية عديدة بطريق الجو، ولكن الانطباع السياسي الذي تولد عن الرد السوري قد أصاب الإسرائيليين بالإحباط الشديد وبالقلق على مستقبل كيانهم المصطنع، خاصة أن أي حرب قادمة على سورية قد تجابه بشكل مشترك من قبل محور المقاومة، وبالمقابل فقد استقبل الرد السوري بموجة من التفاؤل عمّت أرجاء الوطن العربي، وهو ما لم يحصل منذ زمن بعيد.. ويجب، برأينا، إبراز الآراء المتفائلة حول هذا الموضوع، لأن ذلك يرفع من معنويات الشعوب العربية وخاصة الشعب السوري.

الاعتداء التركي على عفرين

في خضم الانتصارات العسكرية للجيش العربي السوري، والتعقد المتزايد في الأزمة السورية، وبسبب من صعوبات الوضع الداخلي التركي وبغية استغلاله، قرر الطاغية أردوغان احتلال عفرين ومفاوضة الغرب عليها من موقع قوة، وهكذا فقد توسعت دائرة الحصار الذي فرضته تركيا على عفرين، وبدأ يأخذ طابع احتلال، بعد أن ادعى أن ذلك يجري تنفيذاً لاتفاقية (أستانا)، وكان ذلك في حقيقة الأمر احتلالاً لهذه المدينة وتوابعها.

وقد أدركت القوى الشعبية الكردية التي لم تراهن على الوهم الذي غرقت فيه بعض القيادات الكردية من ناحية الاعتماد على أمريكا، أدركت أنه لا خلاص للجماهير الكردية ومدنها وقرارها من الاحتلال التركي المرتقب، وجدوا أن الحل هو العودة للأصل والأم، التي هي سورية، وطنهم، التي استجابت لأبنائها كما ينبغي، وقد كان دخول القوات الشعبية إلى عفرين عرساً جماهيرياً، برهن فيه سكان هذه المدينة على أخلاقية وطنية عالية، وبالتأكيد سوف يكتشف مواطنونا في مدينة عفرين أن ما حصل يساهم بشكل فاعل في حل المسألة الكردية.

قذائف الإرهاب أيها الرفاق!

وسط هذا الجو المشحون باحتمالات الانفجار في أي وقت، ووسط أنهار الدم التي تسيل في أكثر من موقع، وفي ظل استمرار تعقد مساعي الحل السياسي وإصرار الحلف الاستعماري – الرجعي- الإرهابي- على مواصلة نهج تدمير سورية وإسقاط الدولة الوطنية السورية، أجل، في هذا الجو يعيش مواطننا السوري الذي يحمل همّ المساهمة في حماية الوطن وحماية عائلته، وعلى الأخص من شرور قذائف الهاون العشوائية التي يسقطها الإرهابيون يومياً على رؤوس البشر بشكل متعمد، لا فرق لديهم بين طفل وشيخ وامرأة، كما حدث في اليومين الأسودين الثلاثاء الأربعاء 20و21 شباط الجاري.

الغلاء الفاحش والتقصير الحكومي

إن هذا المواطن يعاني من الارتفاع الجنوني للأسعار، فقد أصبح ذلك الشغل الشاغل له وللأحزاب السياسية والهيئات الاقتصادية والاجتماعية، إذ يوجد ما يشبه الإجماع على تقصير الحكومات المتعاقبة، قبل الأزمة وخلالها، في ضبط الأسعار، ذلك لأن بعض المسؤولين استسلم لقناعات باتت راسخة لديه باستحالة حل هذه المعضلة، حتى أن المواطنين بدورهم لا يمانعون بتسعير السلع حسب قانون العرض والطلب، وحسب القيمة الفعلية لها، ولكن حتى هذا الحل لا يرضي الفئة المحتكرة التي تهيمن على السوق وتفرض نفوذها عليه.. وواضح أن هذه الفئة هي التي تستند إلى المعادلة الذهبية السائدة في السوق، وهي تحالف البرجوازية الحكومية (البيروقراطية والفساد) مع البرجوازية الكومبرادورية (التجارية والمصرفية) مع سائر الفئات الطفيلية.

إن الإفلات من هذه المعادلة هو قضية سياسية بالدرجة الأولى، ويتطلب نضالاً سياسياً ضاغطاً باتجاه تقليص النفوذ السياسي والاقتصادي لهذه الفئات، وكذلك تتولى النقابات وعمال بعض القطاعات الاقتصادية مهمة من هذا النوع حسب حجم القوى التي تعي عمق هذه المسألة، ولكن ما يبدو حتى الآن هو عدم قدرة هذه القوى على إحداث تغيير ذي معنى يؤدي إلى تقليص نفوذ هذه الجهات وإحلال قوى شعبية وقوى تؤمن بالخيار الاشتراكي في نهاية المطاف، ويمكن أن تستند هذه القوى أيضاً إلى القوى والكوادر القيادية التي لم يمسها الفساد، في الدولة ، أو التي تملك الجرأة الكافية لإنقاص نفوذ هذا التحالف، لكن ذلك كله لا يكفي إذا لم تتوفر حريات ديمقراطية تتيح المجال لهذه القوى الشعبية والتقدمية أن تقدم نفسها للجمهور، بوصفها صاحبة برنامج تقدمي يتقاطع مع السلطة في الكثير من الأمور دون أن يتبنى برنامجها بالكامل.

لقد خلق دستور 2012 أملاً بقيام نظام تعددي سياسي واقتصادي في البلاد وحرية النشاط السياسي للأحزاب وللصحافة حسب نصوصه، وتفاءل الناس خيراً، لكن منذ ذلك الوقت (2012) حتى الآن لم تلمس القوى السياسية الوطنية انفتاحاً يتلاءم مع أهمية ما ورد في الدستور من حيث تبني التعددية نصاً وروحاً، بل نشهد أحياناً عودة لبعض مظاهر احتكار السلطة والتمسك بالمواقع والأصوات في انتخابات المنظمات الشعبية وغيرها، بشكل لا يدل على فهم صحيح لروح الدستور ونصوصه أو قناعتهم به.

مهام الحزب في المرحلة الحالية:

النضال من أجل:

1- تحرير الجولان السوري المحتل بكل الوسائل.

2- استكمال تحرير الأراضي والمواقع التي ما يزال الإرهابيون يسيطرون عليها.

3- الدفاع عن الوطن بكل ما أوتي الشعب والجيش من قوة، واعتبار تجزئة البلاد وتقسيمها أرضاً وشعباً الخطر الأول، ودعم قدرات الجيش العربي السوري، وخلق أشكال جديد من المقاومة تسمح بإشراك قوى جماهيرية جديدة في المعركة.

4- متابعة العمل على النطاق الدولي لإيجاد حل سياسي للأزمة يرتكز إلى قرار مجلس الأمن رقم ،2254 وإلى المبادئ العامة التي أقرها مؤتمر سوتشي حول احترام سيادة سورية واستقلالها ووحدتها أرضاً وشعباً، وغيرها من المبادئ.

5- فضح المناورات والضغوط التي تمارسها الولايات المتحدة الأمريكية لإفشال مساعي السلام، والعمل على طرد الوجود العسكري الأمريكي والتركي عن الأرض السورية بجميع الوسائل بما فيها القوة.

6- العمل على حل المسألة الكردية استناداً إلى مبدأ المواطنة، بروح إيجابية وبناءة.

7- تقوية علاقات الصداقة والتحالف مع روسيا والصين ودول بريكس.

8- الالتفات إلى الداخل السوري بغية تقوية الشارع السياسي عن طريق توسيع الحريات الديمقراطية وحرية الرأي والصحافة، حسب نصوص الدستور.

9- تطبيق الدستور السوري لعام ،2012 وتعديل القوانين بما ينسجم مع نصوصه.

10- تعديل قوانين (الأحزاب، الإعلام، الاستملاك، الأحوال الشخصية والجنسية) وغيرها بما ينسجم مع أحكام بنود الدستور.

11- التعاون والتنسيق مع جميع القوى الوطنية في سورية من أجل تنفيذ هذه المهمات.

 

 

العدد 1140 - 22/01/2025