هل سمعتم بالخامس من حزيران؟!

كانت الهزيمة مرة!

ومن عاشها يمكن له استعادة تلك الأحاسيس التي انتابتنا إثر هزيمة العرب في حرب حزيران عام 1967 وهي حرب قصيرة شنتها إسرائيل على سورية ومصر والأردن، فأخذت ماتبقى من فلسطين، وتوغلت في أراض جديدة في مصر وسورية!

في تلك الآونة، انتابتنا أحاسيس لها علاقة بالنضج بلغة اليوم، فقد اعترفنا بالهزيمة، وظهرت أفكار تتحدث عن الأخطاء والخيانات وعن الفساد وعن الحماسة وغياب العقل، وطرحت البدائل ووجه النقد الذاتي وشرع الناس العمل على تجاوز ما حصل، ومن لايتذكر تلك المرحلة وآثارها علينا يمكن له أن يقرأ عنها بواسطة شبكة الإنترنت بخمس دقائق ليعرف جيداً ما الذي جرى في تلك الحرب اللعينة التي كانت تهدف إلى التأسيس لانحطاط وعجز عربي لاينتهي يشبه مايعملون من أجله هذه الأيام!

كانت نتائج الحرب تريدنا أن نشعر بالإحباط، لأن كل القيم الوطنية والقومية ورموزها اهتزت وراح البعض يروجون لإفلاسها.

وسريعاً تم البناء على تجاوز المحنة، عند كل العرب وخاصة في سورية ومصر، وجرت حوارات ونقاشات، وأقيمت ندوات واجتماعات وقمم عربية، وكتبت بحوث ودراسات، وكل ذلك تمكن من التأسيس لصناعة واقع جديد، اشتغل الجميع على تجاوزه في شهر آخر اسمه (تشرين)!

كان شهر حزيران، في سياق المفردات العربية التي تحمل دلالات أخرى غير دلالة معناها الحقيقي، كان هذا الشهر يعني (الهزيمة)، وصار مكروهاً، وصار الخامس منه (ذكرى) تشبه (ذكرى النكبة التي وقعت للعرب في عام 1948)، لكن مصطلح (النكبة) تحول إلى مصلح جديد هو (النكسة)!

كانوا يريدون للأجيال العربية أن تنهزم من الداخل، أن يكون الشعور بالعجز (جوانياً) أي له علاقة بالمشاعر الخاصة بكل عربي، كما هو الآن، ويجب الاعتراف أنها كانت من أعنف الحروب على العرب بكل المعايير رغم أن إسرائيل أطلقت عليها (حرب الأيام الستة)!

 الذي يحصل في الحرب التي تشن على العرب في هذه المرحلة هو أنهم يريدون للحضاري الإسلامي أن يتحول إلى داعشي إرهابي أسود، وأن يتحول القومي العربي إلى قطري، وأن يتراجع القطري إلى مناطقي وعشائري وطائفي، ويؤسسون لذلك في مشاريع تقسيم تصرف عليها الأموال، فلا يجد العرب إلا كل مقومات التقسيم أصبحت جاهزة على الأرض..

هل تذكرون الخامس من حزيران؟ كان الرد سريعاً، فكرياً وسياسياً وحتى عسكرياً، واليوم الرد ممكن، شريطة الانتباه إلى جذر اللغز الذي يشتغل العدو عليه، وهو: أنه لايمكن للعربي أن يكون خارج حضارته، وحضارته عربية إسلامية تعددية، ولايمكن أن يكون إقليمه بخير خارج الانتماء الأكبر، بل لايمكن لعشيرته وطائفته وعائلته وأسرته أن يكونوا بخير إلا إذا كانت حضارته بخير!

ذلك هو اللغز.. ذلك هو اللغز.. لامكان لنا إلا تحت مظلة حضارتنا وانتمائنا الكبير والأصيل!

العدد 1136 - 18/12/2024