تدمر.. وحزن القوافل التي مرت..
هذه الحجارة القائمة تتوشح بالذهب عند المغيب، وهذه الرمال التي تحدق كالبحر بالجزيرة تتلون بلون زهر التفاح، أما قلعة فخر الدين المعني فترتسم قائمة على سماء من نار..
إنها تدمر، كما رسمها بكلماته الكاتب الفرنسي الشهير هنري بوردو، لكن التلمود الصهيوني أعلن منذ القديم أنه: يالسعادة من سوف يرى نهاية تدمر!
هل انتهت تدمر؟!
يالسعادة العالم إذاً، وهو يرسم ابتسامة تلمودية فرحاً بكل ماحلّ ويحلّ بحضارة السوريين التي مازالت تقاتل!
…..
وأنت تذهب إلى تدمر، تأخذك الحكاية في اتجاهين، الأول يذهب إلى التاريخ، والثاني إلى الحاضر، وأنى شئت الذهاب تكتشف أنك في مكان يفرض عليك التريث قليلاً قبل أن تمضي، ففي تدمر، يعني في سورية: يرسم القدر مصير حضارة العالم!
ورد اسم (تدمر) في ألواح من طين تعود إلى نحو أربعة آلاف عام مرت، وتذكر وثائق تاريخية أن الكنعانيين والعموريين والآراميين سكنوها منذ 30 قرناً قبل الميلاد، وهم الذين أعطوها اسمها (تدمر). فاسمها الآرامي تدمورو أي الجميلة، واسمها السرياني تدمرتو أي الأعجوبة، ولم يشأ العالم أن يترك التاريخ بعيداً وهو يسميها: بالميرا، لأن هذه الكلمة اللاتينية حملت أيضاً كل المعاني، ومن بينها: (الجميلة) أو (الأعجوبة)..
عندما يتحدث السوريون عن تدمر، وعندما يتحدث العالم عن بالميرا، يتذكرون الملكة زنوبيا، أي ميسون بنت عمرو ابن السميدع، فتاة من عشائر الفرات الأوسط العربية، وفي دروس زنوبيا أن السوريين يصنعون قوة الحضارة في الشرق، وأن الرومان عندما يغزونها ويدمرونها بقوتهم، فإنهم بذلك يصيغون معادلة الصراع بين بين حضارة القوة، وقوة الحضارة!
وتدمر الآن في القرن الحادي والعشرين اسمها سورية!
يالعظمتها.. يالعظمة سورية، وهي تحيك أثواب التاريخ بدم أبنائها وقوة حضارتها..
تنتشر أطلال تدمر اليوم على مساحة تزيد على عشرة كيلومترات مربعة تمثل ما تبقى من حضارة، كانت القوافل التجارية بين سورية ومصر والعراق وبلاد فارس تمر بها، وكان التجار يزورونها من البلاد المجاورة والبعيدة، ومن الهند شرقاً وأوربا غرباً..
تقع تدمر إلى شمال شرق مدينة دمشق وسط واحة في الصحراء السورية، فتبعد 250 كم عن دمشق و150 كم عن حمص. في عام 41 ق.م أرسل مارك أنطونيو الذي كان يتولى حكم الشرق بالتعاون مع حبيبته كليوباترا في مصر، أرسل أنطونيو فرسانه إلى تدمر وأمرهم بنهبها، وسريعا أخلى أهل تدمر مدينتهم وأسرعوا إلى الفرات يرمون فرسان أنطونيو بوابل سهامهم الشهيرة..
وفي عهد الإمبراطور سبتيموس سيفروس زوج الأميرة الحمصية جوليا دمنة ووالدة الإمبراطور كركلا، وتحديداً عام 212 للميلاد، نالت مملكة تدمر لقب المستعمرة الرومانية تقرباً إليها، فمنح التدمريون حقوق أهل روما..
تركت تدمر أبجدية حضارية تتألف من 22 حرفاً تكتب وتقرأ من اليمين إلى اليسار، ووجدت نقوش بالأبجدية التدمرية في فلسطين ومصر ومواطن أخرى من شمال إفريقيا، وكذلك على ساحل البحر الأسود وهنغاريا وإيطاليا وبريطانيا.
يا لنقوش تدمر ما أجملها..
لقد نقشها التدمريون عبر التاريخ على جدران العالم، وهي اليوم تنقش من جديد بدم أهلها، فتنقل حزن كل القوافل التي مرت فيها عبر التاريخ، هذه النقوش تحمل اليوم حكاية خمسة حروف هي (سورية)!