(هلا ليّا) الصفصاف
كم كنت أطرب حين كنت أسمعها تلك الجدة وهي تجلس على الأرض تحت الصفصافة على كتف الساقية، كانت تغني بصوت رقيق واهن وهي تعبث بمياه الساقية، تغني فتبعث النشوة في المكان من أشجار وتراب وندى.
ياألله تغني تلك (الهلاليا) الجميلة التي تنتشر في أرجاء المكان فتلبسه أعماقه، تنثر الإيقاع تلو الإيقاع والنغم تلو النغم قائلة:
(هلا لا ليا وهلا لا ليا
عيني ياموليا
صفصاف لاتستحي
شرشك على الميه)
جذر هذا الصفصاف يشق أرض الساقية عميقاً عميقاً حتى اللانهاية، جذر صفصاف ولحن قديم يصل حتى مئات السنين، وماء نبع يجري في الساقية، كم هو جميل هذا! ماء نبع يجري مترقرقاً عذباً، صفصاف ينشر ظله على مساحة كبيرة من أرض الحقل، صفصاف الهلاليا التي تتواصل من آلاف السنين إلى اليوم. مياه الساقية ترش الموج الأخضر المحيط بها، هلاليا تبوح للجدة. الجدة تبوح للزمان، ترسل نغيماتها للكون.
أحاول اليوم التفرس في المكان ذاته، لا أسمع اليوم الهلاليا، لا أجد ساقية تترقرق مياهها، لا أسمع رعشة الأرض، الساقية فيها بقايا من الماء، بقايا لا تبل السطح، فكيف هي الأعماق، تكاد تشهق حزناً، أسأل أين الدلال؟ أين التوهج في هلاليا الصفصاف؟، أين رقص الساقية؟
بقايا من بقايا روح، أسمع سؤال الصفصاف عن الماء، سؤال الهلاليا عن الماء، سؤال روح الجدة عن الماء! كيف تفيض الساقية؟ أبحث الآن عن لقاء النغم بالماء، لا أجد شيئاً. يحن الصفصاف، أسمع حنينه، أسمع روحه التي تلوح، أين وأين ؟ هل سيعود للصفصاف بهاؤه؟ هل ستعود لهلاليا أنغامها؟