أعيادنا هي الصلاة لولادة سورية من جديد
أجواء ملبدة بغبار يثير الحساسية ويخنق الأرواح، سحب شاحبة امتلأت بها سماء الوطن وخطّتها بأكثر اللوحات قتامة. يرتدي وطني اليوم ثوباً شديد السواد ممزوجاً بدماء أبنائه، يحيط به الركام والدمار والأنقاض في كل مكان، جعلت النفوس فيه تعتاد رؤية القتل والدم والدمار وأصوات المتفجرات كل يوم. صوت طبول تفزع منها القلوب خوفاً، أبعدت الأحبة وكسرت الأرواح وأبكت العيون، تلك هي الحرب في بلدي.
إلاّ أن حالة السلم والحرب التي تسود الحياة لا تعنيني كثيراً لأن درباً من السلام والأمان عبّدته كلماتي ما بيني وبينك يا وطني .وإن بدأت الحرب؛ سأختبئ في ملجئك، وأعيش أيامي معك، لن ترهبني ضوضاء الصواريخ وظلمة المكان. تُلبسني الأمان بنظراتك وتخلع عني الخوف دائماً.
وياله من توقيت مفاجئ في ظل الحرب الدائرة في بلدي، تقاتل الكثيرون تحت شعار الطائفية والمذهبية، أن يُصادف هذه السنة ميلاد السيد المسيح والرسول محمد (ص) في اليوم نفسه، وكأنها معجزة إلهية أُرسلت من السماء رسالة سلام للبشرية، علّها تعي معنى الحياة والسلام، لكن الجهلة ما زالوا على الأرض يتصارعون بذريعة نشر الدين، إلا أن منهم أيضاً من يدافع عن الأرض بعيداً عن تفاهاتهم.
رغم السواد المحيط بنا، إلاّ أن فسحة الأمل ما زالت ترافقنا، تدفعنا لنمضي إلى الأمام، وأن ندع الحمقى مكانهم، لن يمضي العيد كما اعتدنا عليه قبل سني الحرب، وذلك احتراماً لأرواح الشهداء، إلاّ أننا سنقدّس ونصلي ونذهب إلى الكنائس والجوامع وستُقرع أجراس الصليب والمريمية، وستصدح جوامع الأموي والرحمن وسواها لتبعث الهدوء والأمان في النفوس ولو لفترة وجيزة، سنتبادل التهاني والمباركات، وسنصلي لتحيا سورية من جديد، لنخلّد ذكراها في التاريخ ولنعيد لها المجد.
كانت الأعياد في الطفولة تأتي محمّلة بكل جديد وجميل، بالونات وورود وكعك، ملابس جديدة، أحذية لامعة، شرائط بيضاء وحمراء تلتف حول الجدائل المسدلة، كانت الأعياد تأتينا بكل زينتها، ترقص معنا، وتحمل بصباحاتها قٌبلاً وبهجة، نسهر على أصوات الفرح و نرقص على أنغامه، أما الآن فأصبحت الأعياد تأتي بباقة ورد على ضريح شهيد أو حبيب غاب عنّا، وكعكة جاهزة ملفوفة بأوراق فائقة الجمال، طعمها معجون بالذل والهوان.هذه هي الأعياد الآن.
ففي العيد نجد من يحتفل في منزله بلا كهرباء وبلا دفء بسبب ارتفاع أسعار مواد التدفئة، وتلاشت حلويات العيد بسبب غلاء ثمنها، فضلاً عن فقدان أحد أفراد العائلة فصارت الأعياد تقتصر على الصلاة واجتماع الأسرة، إلاّ أن الأمل والمحبة في النفوس أقوى من الاستسلام للسوداوية والحرب… أما أثرياء الأزمات والفاسدون والمنتفعون من نزيف الدم السوري، فلهم أماكنهم التي شيدت لأجلهم، يحتفلون فيها على إيقاع أوجاعنا.
فعسى هذه المعجزة السماوية لحلول عيد ميلاد السيد المسيح وعيد المولد النبوي وقدوم رأس السنة أن تبعث الطمأنينة في النفوس، ويعود السلام والأمان لهذ البلد الذي خانه بعض أبنائه، وجرت على أرضه تصفية حسابات كبرى، ففتكت به حرب كان ولا يزال ضحيتها عشرات ألوف الأبرياء.