الزواج المدني.. نشأته وانتشاره

الزواج المدني لغةً منسوب إلى المدنية، التي تعني الحضارة، والتقدم، واتساع العمران. أما اصطلاحاً فهو: نظام قانوني، يقوم على توافق إرادتي رجل وامرأة على ارتباطهما، فهو يستهدف إقامة الحياة المشتركة بينهما،وتبادل الرعاية والمعونة لخيرهما المشترك، وذلك على الوجه المحدد في العقد القانوني.

يتطلب الزواج المدني ما يلي:

1- أن تكون الدولة هي التي تتولى تنظيمه بواسطة القوانين التي تسنها، وهي التي تتولى الفصل في المنازعات التي قد تحصل بصدده، دون خضوعها لأية تعليمات تصدر عن جهة دينية. فالزواج بذلك علماني تطبيقاً لمبدأ فصل الدين عن الدولة.

2- لا يعترف بالزواج المدني إلا إذا أُبرم أمام الموظف المختص، فإذا أُبرم الزواج بين الزوج والولي بحضور الشهود، واستكمل جميع أركانه وشروطه (كما في الشريعة الإسلامية مثلا) لا يُعترف به قانوناً لأنه لم يُبرم أمام الموظف المختص.

نشأة الزواج المدني وانتشاره

نشأ الزواج المدني في أوربا وكان ثمرة من ثمرات انفصال سيادة الكنيسة عن الدولة، وابتداءً من سنة 1556 م بدأت الأوامر الملكية في أوربا تنشغل بالزواج. ففي فرنسا صدر الأمر الخاص بتنظيم الزواج سنة 1697 م ونشر في العام نفسه، حتى إذا قامت الثورة الفرنسية سنة 1789م، واجتاحت سلطان الكنيسة، رأينا الزواج يتجرد من خضوعه لأي سيطرة كنسية، لقيام السلطة المدنية باستلام الزواج وأحكامه. لكن الذي خدم السلطة المدنية في هذا الأمر هو المعارضة التي أعلنها (مارتن لوثر) في القرن السادس عشر ضد النظرة الكنسية الكاثوليكية للزواج، فقد عارض الكنيسة في قولها بأن الزواج سر من الأسرار السبعة، ونادى بأن الزواج: نظام طبيعي، مدني. وقد أثار هذا الوضع ثورة رجال القانون، وثورة الرأي العام، الأمر الذي اضطر الملك لويس السادس عشر، لأن يصدر قراره سنة 1787م، ويبيح بموجبه لغير الكاثوليك بأن يعقدوا زواجهم أمام موظف العدالة الكنسية، ثم جاء المرسوم الصادر سنة 1792م، لينص على أن الزواج يتولى شهره مأمور البلدية.وقد بوشر بتطبيق الزواج المدني سنة 1804م وكان بتشجيع من (نابليون بونابرت) في أعقاب الثورة الفرنسية التي أطاحت بالأنظمة المسماة بالرجعية. وهكذا انتشر الزواج المدني في دول أوربية كثيرة، ودرجات متفاوتة. ففي أمريكا: لا يشترط لصحة الزواج أن يتم وفق المراسم الدينية، بل يكفي أن يكون مطابقاً للإجراءات المدنية. وفي بريطانيا: يأخذ القانون البريطاني بالزواج المدني والديني في آن واحد ويشترط لكل منهما شروطاً خاصة يجب اتباعها وإلا كان الزواج باطلاً.وأما القانون اليوغسلافي (قبل التقسيم) فقد أخذ بالزواج المدني والديني في حدود متفاوتة، ففي بعض المقاطعات لا يعتبر إلا الزواج الديني، وفي بعضها الآخر لا يعتبر إلا الزواج المدني. وهكذا كان التشريع الإسباني يقر الزواج الديني للذين ينتمون إلى المذهب الكاثوليكي، والزواج المدني لمن لا يدين بهذا المذهب.

بعض مؤسسي الزواج المدني

يعتبر الزواج المدني واحداً من نتائج الثورة الفرنسية، فقد شُرّع بقانون نابليون عام 1804 ثم انتشر في معظم دول أوربا. وفي تركيا وتونس ارتبط باسم مصطفى كمال أتاتورك والحبيب بورقيبة.

تطبيق الزواج المدني في العالم اليوم

في دول أوربا وأمريكا يطبق الزواج المدني ويُعتبر إلزامياً في كل من فرنسا، وألمانيا، وسويسرا، وبلجيكا، والسويد، وإيطاليا، ويوغسلافيا، ورومانيا، والنرويج، وموناكو، ولوكسمبورغ، والبرازيل، وأمريكا اللاتينية، وروسيا، ويطبق اختيارياً في إنكلترا، والولايات المتحدة الأمريكية، واليونان وإسبانيا، وتركيا وتونس، كما أن هناك محاولات عديدة لتطبيقه في لبنان.

أسباب وجود الزواج المدني

المبررات التي يسوقها المؤمنون بالزواج المدني تنحو باتجاه العلمانية، كما تتخذ إطاراً قانونياً واقتصادياً، وآخر إنسانياً يتمثل بالحرية والمساواة بين المرأة والرجل، ومن هذه الأسباب التي يطرحها المؤمنون بالزواج المدني:

1- الزواج عقد شخصي بين اثنين متعاقدين، وهذا ما يوجب على الدولة كسلطة مدنية أن تتولاه بالتنظيم شأنه في ذلك شان بقية العقود المدنية أو التجارية حتى.

2- إن وجود المرجعيات الدينية ورعايتها للزواج يحدث إنقاصاً كبيراً لسلطة الدولة، ويحول الدين إلى مؤسسة بدلاً من كونه علاقة شخصية بين المرء وربه.

3- إن تطبيق التشريعات الدينية المتعلقة بالأسرة وغيرها يقف حجر عثرة دون تكوين الوحدة الوطنية، وإن إلغاء التشريعات الدينية يؤدي إلى الوحدة الوطنية الحقيقية القائمة على الحس الوطني بدلاً من الديني.

4- الزواج أمر نفسي أولاً وأخيراً وعلاقة تقوم على التفاهم والتناسب بين الشريكين. فما الداعي لإضفاء الصبغة الدينية عليها؟!

5- عدم الثقة والاقتناع بالصيغة الاقتصادية-الاجتماعية  للزواج من مهر (مقدم/مؤخر) وحفلات باذخة، واحتمال ضياع أموال الزوج/الزوجة في حال الطلاق أو وفاة أحد الزوجين نظراً لبعض التشريعات الدينية.

6- عدم الاقتناع أو الرضوخ للواجبات الدينية التي يفرضها الزواج: كطاعة الزوج أو ما يسمى ببيت الطاعة! واعتبار ذلك انتقاصاً كبيراً من قدر المرأة وحريتها.

العدد 1140 - 22/01/2025