الغشّ في الامتحانات
لم تعد أساليب الغش في امتحانات الشهادتين الأساسي والثانوية مخفيةً على أحد.. وغالبية هذه الأساليب أصبحت معروفةً تعاد بعد كلّ امتحان.
عادةً تلجأ الجهات المعنية إلى البحث عن علاج أو دواء لأي متحورٍ جديدٍ يصيب العملية التعليمية.
إلا أنّ ما تابعناه وقرأناه منذ أيام، يعتبر متحوراً جديداً في اساليب الغش.. التي لو لم تُكتشف لزادت الطين بلّة، فالعملية التربوية المسؤولة عن تخريج أجيال يقع على مسؤوليتها تنشئة جيل وهي مسؤولة عن صحتنا ومستقبلنا.
هذه المقدمة متابعة لما قرأناه عن فصل 70 طالباً وطالبة في الدورة الامتحانية الماضية من طلاب الشهادة الثانوية.. فقد كشف وزير التربية محمد عامر المارديني عن تفاصيل عملية ضبط حالات الغش والتزوير في عمليات تنتيج الامتحانات للدورة الماضية.
وأوضح المارديني أن البرنامج الحاسوبي للتنتيج يتضمن نظام إدخال علامات لكل قسيمة من قبل موظفتين على حاسبين مختلفين، وإدخال أي علامة لمادة في أحد الحواسيب يختلف عن علامة الحاسب الآخر، سيؤدي إلى إنذار من البرنامج والإشارة إلى وجود خطأ.
وأكد وزير التربية أنه من التدقيق تبيّن أن الموظفتين كانتا متفقتين على إدخال العلامات المزورة نفسها، لافتاً إلى أنه تمت إعادة التنتيج مرة أخرى، وعدنا إلى الدورة الأولى للطالبة نفسها وطلاب آخرين وخاصة على الحواسيب لتلك الموظفتين، وتبين أن هناك تلاعباً في علامات 70 طالباً وطالبة، وبيّن المارديني أنه خلال التحقيق اعترفت الموظفة على زميلتها، وبأنها كانت تقوم بذلك بهدف الحصول على مبالغ مالية ، فقد قبضت وحدها 150 مليون ليرة حوّلتها إلى ليرات ذهبية. وأكد المارديني أنه تطبيقاً للقانون 42 تقرر رسوب هؤلاء الطلاب في العام الدراسي الماضي وحرمانهم من التقدم لامتحانات العام الدراسي الحالي، مشيراً إلى أن لجنة العقوبات بالوزارة اتخذت العقوبة المناسبة بحق الطلاب احترازياً ريثما يبت القضاء بالأمر، وأضاف المادريني: تؤكد وزارة التربية أنها كانت وستبقى حريصة على سمعة الشهادة السورية، وعلى موثوقيتها وبما يتوافق مع مصلحة الطلاب وتحقيق العدالة بينهم، ولن يسمح لأي كائن بالنيل من سمعة العملية التربوية في سورية.
وبعد معرفتنا لما حصل والإجراءات المترتبة نقف لنسأل أنفسنا: هل هذه المرة الأولى التي يلجأ بها الطلاب وذووهم لسبل الغش، أم أن هناك ماضياً طويلاً مع هذه الوسائل؟ وعلى الرغم من خطورة الوضع إلّا أنّه من وجهة نظر أخرى تراه منقذاً لما يحصل ومهرباً من واقع صعب، لأن الشهادة لدينا لعبة ضغط نفسي وورقة يترتب عليها مصير الطالب ومستقبله، فإمّا أن يكون وردياً أو ضبابياً، و يبقى السؤال الأهم: ما الذي دفع هؤلاء الموظفين لقبول هذا النوع من الغش؟ بالتأكيد فعلوها من أجل المال، ولهذا السبب فكل الأطراف مَلومة، فالشبكة التي أُلقي القبض عليها هي مجموعة من موظفي الوزارة الذين أرهقهم فتات الراتب، وأرادوا العيش بأيّ وسيلة، فأتتهم الفرصة على طبق من ذهب، لكننا على يقين أيضاً أنّ ما حصل غير مقبول، وكلماتي هنا ليست دفاعاً عنهم أو عن مبدأ القضية، إنما هي إبصار وإزالة للغشاوة المعصوبة على أعيننا، فالواقع حوّلهم إلى أناس باعوا مبادئهم ليعيشوا في ظل ارتفاع الأسعار المرهق. أما الأهل الساعون لتحصيل علامات تامة أو شبه تامة لأولادهم، فهم في النهاية لن يروا مستقبل أولادهم نحو التهلكة ولن يقفوا مكتوفي الأيدي، ولكن ما فعلوه يزيد الطين بلّةً، ولن يصب في مصلحة مستقبل أولادهم، فعلى العكس تماماً سينتقلون من فشل طالب إلى فشل مهندس مستقبلي أو طبيب أو أستاذ …الخ، لكن التبرير الوحيد في داخلهم أن الوضع منهار ومنهار ولن تتوقف على ابنهم، ولكن ما حصل ليس منطقياً، فتخريج أجيال لا يفقهون شيئاً أمر بغاية الخطورة ولا يستهان به، فحال من سهر الليالي وأضناه التعب، ليس كمثل من جلس متأكداً أن العلامة التامة في حوزته، وهو لا يفقه شيئاً عما في داخل كتبه، ولو لم تكتشف الوزارة الأمر لكان الوضع أشد خطورة.
في المقابل علينا ألّا ننسى أن شهادة التعليم الثانوي في سورية هي الشهادة الأصعب من بين الدول العربية، ذات المنهاج الأكثر تعقيداً، والعقل السوري يعتبر عقل أينشتاين عندهم، ولو أن الشهادة كانت بالمعقول لما اندفع هؤلاء الطلاب إلى الغش وتحصيل علامات بهذه الطرق، وما كان حال البعض في المستشفيات لتلقي العلاج النفسي أو الجسدي بعد هذه الاختبارات المرهقة، ولو أن الحال المادي يكفي هؤلاء الموظفين لما انجرّوا نحو تحصيل المال بهذه الطرق نظراً لانعدام الحال.
في النهاية يبقى السؤال: ما السبيل للخلاص من الغش وتحصيل علامات بحقّ وعدل، بعد كل الجهود المطلقة من جهة المعنيين؟ وكيف سيصبح الواقع التعليمي في السنوات القادمة؟ هل سيتحسن أم سيبقى على حاله؟ أسئلة كثيرة والواقع واحد، ونحن باقون على أمل التحسين.
دمتم ودمنا سالمين!