أحلامنا الوردية
وعد حسون نصر:
عندما كُنّا في مرحلة الطفولة ويسألنا أحدهم عن طموحنا في المستقبل وما نرغب الوصول إليه، كانت إجابتنا: طبيب، مهندس، طيار، محامي… إلخ من المهن التي كان يفتخر بها مجتمعنا. لم يكن أيٌّ منّا يقول سوف أصبح معلم دهان، أو نجار، أو بلاط، أو حتى بائع خضار أو خياط، كُنّا نُحدّد إجابتنا على أننا جميعنا خريجون نزاول مهنة! وكلما تقدمنا مرحلة تخفتُ لدينا الأمنية التي رسمنا لها آفاقاً، ونعود لنضع أقدامنا على أرض الواقع.
هذا الشيء بالنسبة لنا نحن كجيل يختلف تماماً عن الجيل الحالي من حيث الظروف والإمكانيات والواقع الاجتماعي والاقتصادي وعلاقتنا بالأهل والمجتمع والجيران، وأيضاً بتلك المرحلة وطبيعة الحياة فيها، وأظنُّ أنها كانت أكثر سلاماً من حيث نفوسنا ونفوس من حولنا. لم تكن الفوضى مُنتشرة كما الآن، ولم تكن عجلة الحياة تسبق أحلامنا مثلما تفعل الآن. كُنّا بسطاء نلهو في الشارع يزعج أحدنا أحد أقرانه فيحاسبنا الجار مع ابتسامة مرسومة على أفواه آبائنا ترافقها عبارة: (مفوّض.. اضربو خلّيه يتعلم الأدب، بتمون جار)!
اليوم خلال الأزمة وبعدها، هل بقيت النفوس تنعم بهذا السلام مع ذاتها ومع من حولها؟ هل بقيت طموحات الأطفال واحدة، طبيب، مهندس قاضي ومستشار؟ لا أظن. فقد اختلفت الأحلام والنفوس، وتلوّثت الطموحات وغدت البقع الداكنة تغزو القلوب.. ورحنا ضحية عبثية حروب ممزوجة بالكراهية والطائفية والمذهبية، وغدونا ضحية تفكير قائم على أساس المنطقة ومن أين أنت، تفكير ومنطق بعيد كل البعد عن الإنسانية!
أطفال اليوم أحلامهم باتت خبزة وقطعة حلوى وجاكيت وحذاء، أحلامهم دمية، مدرسة وقرطاس وكتاب، حديقة مليئة بالأزهار، بالألعاب وأرجوحة تتأرجح عليها طفولتهم اليانعة. أطفال اليوم هم رجال صغار، باعة على عربات القهر، حُفاة يجولون الشوارع للتسوّل من أجل لقمة خبز تسدُّ رمق الجوع، أطفال اليوم حلمهم سكن يحتضن أجسادهم الصغيرة ليقيهم حرَّ الصيف وبرودة الشتاء! إنهم صغار دُمّرت طفولتهم وغاب اللون الوردي عن أحلامهم، فاكتست الحياة اللون الأسود في عيونهم، وغدا المستقبل مجهول الملامح، خاصة أولئك الذين سلبتهم الأزمة كل مقومات الحياة، واحتضنهم الشارع ورماهم في غابة القهر! لا مستقبل واضح ولا حاضر آمن، أجساد سقيمة ورؤوس تقطنها الحشرات بدل الأفكار! لا يختلف الأمر كثيراً عند من أكرمتهم الحياة وأبقتهم تحت كنف الأهل، هؤلاء الأطفال رغم أنهم يمتلكون المأوى ولديهم الأمن والأمان، ويعيشون حياة هادئة مع أسرتهم، إلاّ أنه لديهم الكثير من المُنغّصات وخاصةً الأسرة محدودة الدخل، هم ينقصهم الكثير من المستلزمات، أحلامهم محدودة بإكمال التعليم والدخول بأحد فروع الجامعة الحكومية، وعمل يؤمّن لهم دخلاً يساعدهم في مصاريف الدراسة والطعام واللباس..
أحلامنا الوردية تختلف عن أحلام أبنائنا، فكلما قطعنا مرحلة شاخ اللون الوردي، أما مرحلة أبنائنا فلم تعد وردية، بل غدت شاحبة حزينة هرمة تتألم ولا تريد أن تجول في بقاع العالم، تريد السكون لأنها مُكبّلة مُقيّدة بين الحاضر والمستقبل تبحث عن لقمة خبز وقطعة ثياب وحذاء، مُتجاهلة المستقبل والحلم بسماعة الطبيب أو حقيبة المحامي ومسطرة المهندس.. حلمها الوحيد وطنٌ يُحقّقُ لها الأمان الغائب ويُبعد عنها كل أصناف المحن!