هل رفعت الحكومات السورية الراية البيضاء أمام ازمة النقل؟

رنيم سفر:

أزمة المواصلات السوريّة، هي أزمةٌ قديمةٌ فشلنا في حلّها على مدار سنين طويلة، في الواقع كانت الخطط المتبعة من قِبل وزارة النقل بمثابة خُططٍ مؤقتةٍ وإبر مورفين مسكنة، لتُهدّئ من الغضب فترةً ريثما تعود الأزمة من جديد، وحالنا أشبه بمن يدور في حلقةٍ مغلقةٍ مع ترتيب أحداثٍ متكررةٍ، وبما أنّك سوريّ إذاً كُتب عليك الشقاء على أرض سورية، ولو حاولت تجنّب الشقاء سيطولك مهما كانت الوسيلة، فكلّ السبل تؤدي إليه ولا مهرب منه.

بالنظر إلى شوارعنا الآن، لا ترى إلا الرؤوس المتراصة بعضها جنب البعض الآخر، وفي الأرض أقدام جاهزة للزحف والركض ما استطاعت إليه سبيلاً للظفر بمقعد أو نصف مقعد في وسيلة نقل عامة.. أزمة نقل كبيرة تشهدها بلادنا في هذه الأيام، زادتها افتتاح المدارس، وقلة المحروقات، عرفنا متى بدأت ولا نعرف متى تنتهي!

في الحقيقة المعترف بها عالمياً أنّ الصيف موسم النزه والفسحة والتجول حول العالم والاكتشاف، ونحن باعتبارنا ننتمي لهذا الكون الواسع، يحقّ لنا المتعة أيضاً، مثلنا مثلهم، ولكنّ المتعة، على ما يبدو، لم تخلق للسوريين، فغفلنا عن أنّ المتعة لا تليق بأمثالنا، وأقصى البقاع التي بإمكاننا بلوغها هي إحدى محافظاتنا الحبيبة، لزيارة العائلة والتمتع بخيرات بلادي وطبيعتها الساحرة ونسيان ما نحمله من ثقل الهموم.

في الواقع إنّ كلّ ما تخطط له هو وهمٌ كبير ، فالسفر من محافظة إلى أخرى لدينا بمثابة رحلةٍ تعذيبيةٍ واختبارٍ لمدى صبرك وقوة تحملك، وما عليك إلّا أن تنجح أو أن تفشل باختبارك، وإذا كنت من ذوي النعمة المرفهين الذين يملكون وسيلة نقلٍ خاصةً بهم وقررت السفر بها، فأنت على حافة الوقوع في عقباتٍ كثيرةٍ، أولها أزمة البنزين المحيطة بنا في كل مكان، وإذا وجد في طريق السفر فهو مغشوش نتيجة ندرة البنزين، لذا يلجأ الباعة على الطرقات لخلطه بالتنر أو المازوت، وبعد أن تضعه في سيارتك ستعاني من كل أشكال التعطيل، فضلاً عن الكلفة المترتبة عليك، فالمليون ليرة سورية التي ستضعها ثمناً لهذه المادة المغشوشة التي نوهم أنفسنا أنها بنزين وهي لا تمت له بصلة، ستذهب هباءً منثوراً، فضلاً عما تخلّفه من أعطال، ولكن يمكن اعتبارها ضريبة الرفاهية والسفر وامتلاك وسيلة نقل خاصة في سورية، ولن ننسى أيضاً  تكلفة تصليح هذه الأعطال التي تسببت بها هذه المادة المغشوشة.

أمّا إذا أردت الوصول إلى وجهتك عبر وسائل النقل العامة أو ما نسميه البولمان فلسنا بحاجة إلى الشرح، فالعنوان واضح والذكريات فيه تعيسة، لأنه اختبار أشدّ لصبرك ورحلتك ستكون عبارة عن تعب وازدحام، وهو ما نطلق عليه (المرمطة) بالعامية، فلا راحة بكلا الوسيلتين، يعني ستشقى ستشقى، ولا مفرّ من الشقاء والبقاء للأقوى فقط.

في النهاية يمكننا إضافة تعديل واقعي سوريّ على قول الشاعر الكبير نزار قباني لتصبح:

أنا الدمشقيّ لو شرّحتم جسدي

لسال منه آلامٌ وأحزانُ!

دمتم ودمنا سالمين!

العدد 1120 - 21/8/2024