الأسرة السورية.. وهوَس الإنترنت

يونس صالح:

انتشر استخدام الإنترنت انتشار النار في الهشيم، واستطاعت هذه الوسيلة الإعلامية أن تحقق أعلى انتشار لم تحققه وسيلة إعلامية من قبل، فما تأثير ذلك على الأسرة السورية ومن فيها من أطفال؟

إن الإنترنت أداة متطورة تقدم المساعدة في مواجهة المشكلات الاجتماعية والاقتصادية والتعليمية والتربوية، وهي وسيلة تقدم خدماتها للمربين وتساعد الطلاب على تطوير إمكانياتهم وتفجير طاقاتهم الإبداعية، وقد ساهمت هذه الأداة في تطوير المجتمعات وعملت على تبادل الخبرات، فجعلت البعيد قريباً والممنوع ممكناً.

لقد برهن العلماء المختصون على أن الأطفال بإمكانهم استخدام الإنترنت في سن الرابعة، وفي سن الخامسة يمكنهم الولوج إلى الشبكة العنكبوتية، ولم تعد الألعاب التقليدية تأسر ألبابهم وتجذبهم.. لذلك فالبديل هو هذه الشبكة العملاقة التي تستميل الطفل إليها، فيتفاعل مع موجوداتها بشغف.. إن الكثير من الأطفال والشباب السوريين يقضون أمامها الساعات الطويلة، مما يعرّضهم لخطر الإدمان والهوس الإنترنيتي بشكل لا شعوري.

إن غرف الدردشة تستخدم عندنا- مع الأسف- للتعارف بين الناس بهدف الثرثرة وتضييع الوقت، والتحدث عن المشكلات الاجتماعية وخصوصاً الجنسية، وعقد اللقاءات الغرامية التي قد تصل إلى حد الزواج الفاشل.. ونتيجة لذلك قد يسير الأطفال والشباب تجاه هاوية الإدمان الشبكي الذي يتمثل بعدم القدرة على الاستغناء عن الدخول إلى شبكة الإنترنت، وفي حالة عدم توافر ذلك فإنه قد يؤدي بهم إلى ظهور أعراض الانسحاب والقلق والتوتر التي ربما تؤدي أحياناً إلى الانتحار.

ولقد أجمع الأطباء المختصون وعلماء الاجتماع على وجود تأثيرات سلبية نتيجة الإدمان على الإنترنت أهمها:

أولاً- المشكلات الصحية، التي تتجلى بالأرق واضطرابات النوم، وخلل دورة النوم الطبيعية، والإرهاق الجسدي والنفسي، وينعكس ذلك على الأداء الوظيفي والمهني والدراسي.

– ضعف الجهاز المناعي والوظيفي، مما يجعله عرضة للإصابة بالكثير من الأمراض، فالجلوس الطويل يسبب آلاماً في الظهر والعمود الفقري والتهاب العينين، وضعف النظر نتيجة التعرض للإشعاعات الكثيرة، ويؤدي الجلوس الطويل إلى ركود في الدورة الدموية، وضعف في أداء الأجهزة الحيوية في الجسم، وتأثيرات سلبية على الجملة العصبية، وعدم الاتزان النفسي والإرهاق وغيرها من التأثيرات السلبية.

ثانياً- المشكلات الأسرية والاجتماعية: لقد أصبح الإنترنت رعباً حقيقياً للأسر السورية، وخصوصاً ما يعرف بغرف الدردشة، التي يكون زوارها في الغالب من المراهقين والمراهقات، والذين هم أكثر تعرضاً للإدمان الإنترنيتي. إن التصفح الطويل للإنترنت يؤذي نسيج العلاقات الاجتماعية، ويسبب الكثير من المشكلات، كاعتزال الناس، والانطواء، وفقدان التواصل مع الآخرين، وخسارة الأصدقاء، وضعف الرقابة الأسرية على الأبناء.

لقد لعب الإدمان الشبكي دوراً مهماً في التفكك والتصدع الأسري بين الآباء والأبناء، وزادت حالات الطلاق لدرجة أنه بدأ يقال إن الإنترنت يفرق ما بين المرء وزوجه، كما لعب دوراً في إضعاف المنظومة القيمية في المجتمع، وانفلات زمام الأمور، وضعف الرقابة الأسرية، وفقدان العلاقات الاجتماعية بما يشيعه من انطواء، وعزلة، وبدأت تنتشر صور الناس في الأجهزة الإلكترونية، وبرزت ظاهرة الابتزاز الأخلاقي والمالي، وانتشار الإباحية الجنسية وما تخلق من أمراض بشكل لا مثيل له.

 

الأسباب المولّدة لهوس الإنترنت

لقد أحدثت شبكة الإنترنت انقلاباً جذرياً في المفاهيم والممارسات النفسية والاجتماعية التي كانت مستقرة في الأذهان، فهي توفر للإنسان إطلاق رغباته الدفينة كلها والتعبير عنها بطرحها مع من يرغب عبر غرف الدردشة، هذه الغرف التي تقدم للشباب فرصة للتخلص من القيود المجتمعية الصارمة، وأبرزها هذه الأسباب:

– إن الافتقاد إلى السند العاطفي عند المراهقين يجعلهم يلهثون وراء الإشباع الوهمي من خلال الدردشة مع أناس وعوالم لا يعرفون عنها شيئاً.

– تنويع الخيارات، وعدم وضوح الهدف، فالدخول قد يكون لا هدف له، لكن المتصفحين ينجرّون من موقع إلى آخر.

– إن غرف الدردشة وسيلة للتفريق الانفعالي، وتفريغ شحنات الغضب والكبت والعدوانية، فلا رقيب ولا حسيب ولا حدود للزمان والمكان، لذلك تصبح تلك الغرف ملاذ الأمن والمنقذ الأكبر لما يعتري نفوس شبابنا من مكوّنات موجودة في غياهب اللاشعور.

– التخلص من حالات القلق النفسي وضغوط الحياة الصعبة التي يعيشها الشباب عندنا ويعانون منها، وغياب الأمل لديهم في مستقبل أفضل يوفر لهم حياة كريمة، نتيجة السياسة اللامبالية تجاه مصائرهم، بسبب الأزمة، وتعقيداتها، وكذلك بسبب السياسة الاقتصادية والاجتماعية للدولة، اللامبالية بمصائر الشباب.

وفي النهاية إن هوس الإنترنت يشكل خطورة جدية على مصائر شبابنا وأطفالنا، ولابد من إحداث تحول حقيقي في سياسة الدولة، يؤدي إلى إيقاف هذا التدهور الخطير الذي يعاني منه الشباب والأطفال.

العدد 1104 - 24/4/2024