الحوكمة الاقتصادية تطبيقها في سورية تنمية للمستقبل   

سليمان أمين:

الحوكمة الاقتصادية هي عبارة عن إطار يهدف إلى توفير التوازن والشفافية والمساءلة في إدارة الاقتصاد. تعتبر الحوكمة الاقتصادية مهمة جداً لضمان تحقيق التنمية المستدامة وتعزيز الاستقرار الاقتصادي.

تشمل الحوكمة الاقتصادية سلسلة من القوانين والسياسات والآليات التي تهدف إلى تحقيق الشفافية والمساءلة والمشاركة الفعالة لجميع الأطراف المعنية في صنع القرارات الاقتصادية. كما تتضمن أيضاً التوعية بالمخاطر المحتملة وإدارتها بشكل صحيح.

وتعتبر الحكومات المستقلة والمؤسسات المالية المستقلة مثل بنوك الاحتياطي المركزي من أهم العناصر في تحقيق الحوكمة الاقتصادية. إضافة إلى ذلك، تلعب الشركات المساهمة العامة والمنظمات غير الحكومية والمجتمع المدني أيضاً دوراً هاماً في تعزيز الحوكمة الاقتصادية.

تتضمن المبادئ الأساسية للحوكمة الاقتصادية التحكيم العادل، وحقوق المساهمين والمستهلكين وحقوق العمال، وتحقيق الشفافية في عمليات الشراء والعطاءات الحكومية، وتطبيق القوانين واللوائح بشكل عادل ومتساوٍ، ومكافحة الفساد والرشوة.

باختصار، الحوكمة الاقتصادية تهدف إلى تحقيق النمو الاقتصادي المستدام وتعزيز الثقة بين الأطراف المعنية من خلال تطبيق مبادئ الشفافية والمساءلة في إدارة الاقتصاد.

توجد عدّة إيجابيات للحوكمة الاقتصادية، ومنها:

  1. الشفافية: تعزز الحوكمة الاقتصادية الشفافية في إدارة المنظمات والشركات، مما يتيح للمستثمرين والمساهمين والمجتمع بشكل عام متابعة وفهم القرارات والعمليات المالية والاقتصادية.
  2. التعزيز الاقتصادي: تساهم الحوكمة الاقتصادية الجيدة في تعزيز النمو الاقتصادي والاستقرار المالي عن طريق تشجيع الاستثمارات وتحسين بيئة الأعمال، مما يؤدي إلى زيادة الوظائف والدخل وتقدم الاقتصاد.
  3. تنظيم وإدارة فعالة: تؤدي الحوكمة الاقتصادية إلى وجود هيكلية تنظيمية فعالة وإدارة محترفة للمنظمات والشركات، مما يضمن تحقيق أعلى مستويات الكفاءة في استغلال الموارد وتحقيق الأهداف المحددة.
  4. جذب الاستثمارات: يعتبر وجود نظام حوكمة اقتصادية قوي وموثوق به عاملاً جاذباً للمستثمرين، فهو يعطيهم الثقة في أن الممارسات المالية والإدارية ستكون شفافة ومستدامة، مما يزيد من فرص جذب الاستثمارات الوطنية والأجنبية.
  5. مكافحة الفساد: تساهم الحوكمة الاقتصادية القوية في الحد من الفساد والاختلاس والاحتيال، إذ توضع إجراءات رقابية صارمة لمراقبة العمليات المالية والإدارية، وتعزيز مبدأ المساءلة والشفافية.
  6. تزويد المستثمرين بالمعلومات الضرورية: تهدف الحوكمة الاقتصادية لتوفير المعلومات الكافية للمستثمرين والمساهمين، وذلك لاتخاذ القرارات المالية والاستثمارية الصحيحة، مما يقوي الثقة في السوق المالية ويسهم في تنمية قطاع الأعمال.

سوريا تعاني من أزمة اقتصادية خانقة تسببت فيها الحرب التي عصفت بالبلاد منذ عام 2011. وبالتالي، فإن الحوكمة الاقتصادية في سورية تعتبر ضعيفة ومنقوصة.

تأثرت البنية الاقتصادية لسورية بشدة بفقدان الاستقرار والتأثيرات السلبية للحرب. تعاني الحكومة السورية من قلة السيولة المالية وقوة الإنفاق والانهيار الاقتصادي. إضافة إلى ذلك، تتعرض البنى التحتية والمرافق الاقتصادية في البلاد لأضرار جسيمة نتيجة القصف والتدمير.

تشهد سورية أيضاً انعدام الشفافية والمساءلة في قرارات الحكومة الاقتصادية. هذا يؤدي إلى زيادة الفساد وانتشار الرشوة وصعوبة متابعة التدفقات المالية واستخدامها بشكل ملائم.

علاوة على ذلك، تعاني سورية من عدم الاستقرار السياسي والعقوبات الاقتصادية التي تفرضها الدول الأخرى. وتعتبر هذه العقوبات عاملاً يؤثر على الحكومة السورية ويعيق جهود تحقيق تحسين الحوكمة الاقتصادية.

لذا، يمكن القول بأن سورية تواجه تحديات كبيرة في تحقيق الحوكمة الاقتصادية القوية والمستدامة في الوقت الحالي.

من الناحية النظرية، يمكن تطبيق مفاهيم الحوكمة الاقتصادية في أي بلد بغض النظر عن حالته الاقتصادية أو السياسية. وفي حالة سورية، يمكن تطبيق مبادئ الحوكمة الاقتصادية لتعزيز الشفافية والمساءلة وتحقيق التنمية الاقتصادية المستدامة.

ومع ذلك، يجب مراعاة العوامل السياسية والأمنية والاقتصادية التي تؤثر على قدرة البلد على تنفيذ هذه المفاهيم. وبالنظر إلى الواقع الحالي في سورية، فإن هناك تحديات عديدة تعوق تطبيق الحوكمة الاقتصادية بشكل كامل وفعال.

على سبيل المثال، تعرضت البنية المؤسسية والاقتصادية لسورية لأضرار جسيمة بسبب النزاع الدائر منذ عدة سنوات، مما يجعل من الصعب تنفيذ الأنظمة والآليات اللازمة للحوكمة الاقتصادية. إضافة إلى ذلك، تأثرت ثقة المستثمرين والمجتمع الدولي بشكل كبير بالأزمة، وهذا يعزز التحديات التي تواجه تطبيق الحوكمة الاقتصادية.

مع ذلك، فإن تعزيز الحوكمة الاقتصادية في سورية قد يكون جزءاً من جهود إعادة الإعمار والتنمية في المستقبل، بما في ذلك إصلاحات القوانين والنظم المالية والاقتصادية وتنفيذ إجراءات رقابة ومراقبة فعالة. يجب أن تكون هذه الجهود جزءاً من رؤية شاملة لإعادة بناء البلاد وتنميتها.

العدد 1104 - 24/4/2024