البطولة تقرأ في بطولة الشعوب والخيانة تقرأ في خيانة الأنظمة

أحمد ديركي:

خلال هذه اللحظات وأنا أكتب، ينفّذ الكيان الصهيوني واحداً من أعنف أعماله الوحشية المتكرّرة والمتصاعدة ضد الشعب الفلسطيني، برّاً وبحراً وجواً. لكن لحظة هذه الهجمات الوحشية الصهيونية تطول لا الشعب الفلسطيني في غزة وحده، بل تطول كل الشعوب العربية من المحيط إلى الخليج. وفي الوقت عينه، فهذه الغارات الوحشية الصهيونية تذبح بلا تمييز كلّ مقاوم حرّ، وكلّ من يدّعي حقوقاً، أيّ حقوق كانت سواءٌ كانت حقوق إنسان بكل تفرعاتها أو حقوق حيوان!

مذبحة جماعية تُرتكب بحقّ كل هؤلاء. فالمذبحة الصهيونية تطولهم وإن بقوا أحياء بسبب وجودهم مكانياً خارج حدود المذبحة الصهيونية. فكل من يدّعي أنه يدعم القضية الفلسطينية فهو مذبوح بهمجية الوحشية الصهيونية حتى لو كان من سكان القمر! وكل مدّعٍ أنه مقاوم ضد الاستعمار مصيره كمن يسكن غزة تحت همجية المذبحة الصهيونية. وكل من يدعي أنه مع حقوق الإنسان فهو مذبوح أيضاً من قبلهم أينما وُجد، ولو كان جالساً في أروقة المبنى الفخم للأمم المتحدة في الولايات المتحدة الصهيو-أمريكية.

فالأمم المتحدة لم تعد تنفع سوى للعمل كأداة استعمارية جديدة لتحقيق رغبات القوى الاستعمارية. فلم نسمع منها حتى تاريخه توجّهاً جديّاً يحسم الموقف من المذبح الجارية بحقّ كل شعوب العالم الحر وليس الشعب الفلسطيني فقط. فهل من حاجة للوجود داخل أروقة هذه (المنظمة العالمية) الموجودة على أرض الولايات المتحدة الصهيو – أمريكية، والخاضعة لقرارها السياسي؟

معذور كل داعم للقوى الصهيو-أمريكية، فهذا مبدؤه: ذبح وإبادة كل من يقف في وجه مشروعه الاستعماري. لكن هل يمكن أن يُعذر كل مقاوم لهذا المشروع؟ بالتأكيد لا.

والمقاومة هنا مشروعة بكل أشكالها، ضد القمع (الرسمي) القائم. فعلى سبيل المثال لا الحصر، أصدرت الحكومة الألمانية قراراً بعدم منح الجنسية الألمانية لكل مشارك في تظاهرات تدعم الشعب الفلسطيني! ولا أعلم ما إن تبعتها رسمياً دول أوربية أخرى. دول كانت فيما مضى تتغنّى بالحريات ويلجأ إليها كل فارّ من قمع نظامه. فتحولت هذه الدول الأوربية إلى دول قمعية (رسميّاً) تحت مسمّى (الديمقراطية). إن كنت فارّاً من قمع نظامك فها أنت تتعرّض لقمعٍ آخر، قمع يسلبك حريتك من دون أن يقتل جسدياً. وبهذا يصبح الفارق الوحيد بين هذه الدول (الديمقراطية) الفارّ إليها، والنظام الذي هربت منه، يكمن في مسألة القتل الجسدي. فما فائدة بقائك على قيد الحياة إن لم تكن حرّاً؟!

من ناحية أخرى، فعل الخيانة الذي تمارسه الأنظمة العربية أكبر من فعل الخيانة الذي تمارسه بقية الأنظمة الأوربية أو الصهيو – أمريكية. فهذه الأنظمة (العربية) تخون قضيتها العربية وقضيتها (القومية) المرتبطة بالقضية الفلسطينية. وتقمع بمزيد من العنف، لا القتل المباشر، شعوبها الداعمة للقضية الفلسطينية وللشعب الفلسطيني. وبهذا أصبحت الشعوب العربية تواجه (عدوّين): خيانة أنظمتها، والأنظمة الصهيو-أمريكية ومن يدور في فلكها.

فالبطولة تقرأ في بطولة الشعوب، والخيانة تُقرأ في خيانة الأنظمة. إنه صراع طويل ولن تتحرّر الشعوب وتصبح حرّة إلا عندما تتحرّر من أنظمتها الخائنة.

اجتمعت الجامعة العربية أم لم تجتمع، اجتمع مجلس الأمم المتحدة أم لم يجتمع، اجتمعت الدول الإسلامية أم لم تجتمع، اجتمعت هذه المسميات أو لم تجتمع في مقابلها تجتمع الشعوب الحرة، أينما وجدت، لنصرة القضية الفلسطينية في محاولة منها لوقف المذبحة الصهيو-أمريكية بحق الشعب الفلسطيني.

العدد 1104 - 24/4/2024