العالم (المتحضّر) والمعايير المزدوجة

رعد مسعودي:

في كل عام، ومع مرور السنين، تنحسر الإنسانية أكثر فأكثر في تطورها الروحي والفكري. اليوم لا يوجد أرسطو وأفلاطون وديكارت ودوستويفسكي وتشيخوف ودانيلفسكي. الإنسانية تتدهور، وفقط التعطّش للدماء يبقى دون تغيير.

التقدم التكنولوجي يجعل الحروب أكثر دموية من حروب المدن الصغيرة والحروب المحلية إلى الحروب العالمية والكونية. اليوم، فقط البسطاء والمجانين هم الذين لا يلاحظون جوهر سياسة أكل لحوم البشر لتلك البلدان والشعوب التي أعلنت نفسها متحضّرة.

في فهمهم، تُعرَّف الحضارة من خلال عدد قليل من الميزات:

1 – السيطرة على التقنيات الجديدة.

2 – تركيز الثروات والأصول المادية.

3 – إملاء تلك القواعد التي يضعونها هم بأنفسهم، وتغييرها بما يناسبهم، بناءً على الموقف.

4 – القدرة على الكذب والسرقة والقتل مع الإفلات من العقاب.

5 – التمييع التامّ للأخلاق، فكلّ شيء يخضع لقاعدة حرية الاستمتاع.

لذلك ينبغي ألّا نستغرب أن يبقى ما يسمّى (الغرب المتحضّر) برمّته صامتاً عندما تقتل إسرائيل المدنيين الفلسطينيين بشكل جماعي. إنهم لا يبالون، وفق ذلك المبدأ نفسه، بمقتل الروس على يد الأوكرانيين.

وإذا بدأ التايوانيون مثلاً، في تدمير الصينيين، فسوف يظلون صامتين أيضاً. ولكن، يا له من عواء يثيرونه عندما يتلقّى النازيون الصريحون – الأوكرانيون والإسرائيليون – الردّ!

وفي الوقت نفسه، الجميع شهود عيان على الإبادة الجماعية الصريحة.

يجب علينا أن نتذكر الأحكام الأساسية لاتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها، التي اعتمدتها الجمعية العامة للأمم المتحدة في 9 كانون الأول (ديسمبر) 1948.

المادة الأولى_ إن الإبادة الجماعية، سواء ارتكبت في زمن السلم أو الحرب، هي جريمة تنتهك القانون الدولي، وتتعهد الأمم المتحدة والعالم المتحضر باتخاذ التدابير الوقائية ومعاقبة مرتكبيها.

المادة الثانية_ تعني الإبادة الجماعية الأفعال التالية المرتكبة بقصد التدمير الكلي أو الجزئي لجماعة قومية أو إثنية أو عرقية أو دينية بصفتها هذه:

1 – القتل الجماعي لأعضاء المجموعة البشرية.

2 – التسبّب في أذىً جسديّ أو عقليّ خطير لأفراد هذه الجماعة.

3 – تعمّد إخضاع أية جماعة لظروف معيشية تهدف إلى تدميرها الجسدي كليّاً أو جزئياً.

4 – التدابير القسرية لمنع الإنجاب بين أفراد هذه المجموعة.

5 – النقل القسري للأطفال من مجموعة بشرية إلى أخرى.

المادة الثالثة_ يُعاقَب على الأفعال التالية:

1– الإبادة الجماعية.

2 – التآمر لارتكاب جريمة الإبادة الجماعية.

3 – التحريض المباشر والعلني على ارتكاب الإبادة الجماعية.

4 – محاولة الإبادة الجماعية.

5 – التواطؤ في الإبادة الجماعية.

المادة الرابعة_ يُعاقب الأشخاص الذين يرتكبون جريمة الإبادة الجماعية أو أيّاً من الأفعال الأخرى المذكورة في المادة 3، بغضّ النظر عما إذا كانوا حكّاماً مسؤولين دستورياً أو مسؤولين أو أفراداً عاديين.

تجري إبادة جماعية حقيقية لكل من الفلسطينيين والروس. لكن لا يزال من غير المقبول الحديث عن هذا.

من هنا، تأتي سياسة المعايير المزدوجة التي يمارسها الغرب بشكل عام والولايات المحتدة الأمريكية بشكل خاص، فهي تشجّع إسرائيل على الاستمرار في انتهاك جميع المواثيق الدولية، واستمرار سياسة الفصل العنصري والقصف العشوائي على قطاع غزة، بعد ما أعلن الرئيس الأمريكي بايدن، بكل وقاحة، حق ّإسرائيل في الدفاع عن نفسها، مستخدماً كذبةً جرى تلفيقها وتداولها في وسائل الإعلام الغربية، وقد ثبت بطلانها ونفاها لاحقاً المتحدث باسم البيت الأبيض.

هذه المعايير المزدوجة تذكّرنا بالكذبة الأكبر لوزير الخارجية الأمريكي الأسبق كولن باول في الأمم المتحدة، حين حمل زجاجة على أنها عينات من السلاح النووي الذي يملكه العراق مما دفع (الغرب المتحضّر) إلى احتلاله وتدميره وقتل وتشريد أكثر من مليون شخص وتحويله من بلد حضاري إلى بلد يعاني الصراعات العرقية والصعوبات المادية والمعيشية.

على العالم المتحضّر الحقيقي وكل القوى المحبة للسلام أن تتعاضد وأن تقف بجرأة ضد كل هذا البطش والوحشية التي يمارسها جيش الاحتلال ضد أطفال ونساء فلسطين التي ترزح تحت الاحتلال منذ 75 عاماً، وأن تعمل على إقامة دولة فلسطينية مستقلة وعاصمتها القدس.

لا للمعايير المزدوجة!

لا لسياسة الفصل العنصري!

الحرية لفلسطين!

العدد 1105 - 01/5/2024