لا ليل يكفينا لنحلم مرتين

يزن المصري:

قد يبدو حديثه مملاً، فعدا كلامه البطيء جداً والشهيق والزفير المتواصل بين الكلمات (بحكم التقدم في العمر طبعاً) يبقى يعيد ويعيد قصصه ذاتها.

بدايةً يحدّثك عن أبنائه، وأنه فقد اثنين منهم شهيدين خلال الحرب، أحدهما في ريف حمص والآخر في المنطقة الشرقية، ثم يحدثك عن عمله.. فهو (معلّم مخلّل) منذ 42 سنة، وقد ورث هذه المهنة عن أبيه الذي ورثها عن جده، لكنه – وهذه هي القصة الثالثة – مضطر لترك هذه المهنة قريباً بسبب عملية الفتق في الحجاب الحاجز التي يعتزم إجراءها. لكنه ما زال يعمل على ادخار تكاليفها دون طائل، وطبعاً في كلّ مرة يحدّثك عن هذا الفتق يقوم بشدّ قميصه البالي حتى تستطيع رؤية الكتلة التي تكونت أسفل بطنه بسبب هذا الفتق، ويقول لك: شوف شلون.. لازم أعملها.

هذا الرجل يدعى (أبو ضياء) وهو دمشقي يقطن أحد أحياء عشوائيات هذه المدينة، طحنته عجلة الأيام والحرب والفقر والعوز.. تماماً كما دمشق؛ لا يملك من الدنيا سوى بضعة براميل من المخلل يضعها في دكانه، ومجموعة قصص مؤلمة يبقى يكررها مع من يراهم، بوجه لا ينذر بأي ملامح ونبرة صوت جامدة.

حدثني في آخر مرة أنه رأى أبناءه في حلمه، لكنهم كانوا يهربون من شيء ما، حاول اللحاق بهم لكن الفتق اللعين منعه من ذلك، فشعر أثناء الحلم بألم مخيف استيقظ بسببه.

لم تسعفه أحلامه بحيث جمعت بين شفائه ورؤية أبنائه ولو سراباً، حتى الحلم غدا صعباً عليه ربما لأن (لا ليل يكفينا لنحلم مرتين)، كما قال محمود درويش ذات يوم.

 

العدد 1105 - 01/5/2024