البيئة مسألة حياة!

محمود هلال:

يقال إن الإنسان ابن البيئة، فما هو حال بيئتنا اليوم التي أصابها الكثير من حالات التلوث السمعي والبصري والأخلاقي والفكري؟!

يصادف في الأول من الشهر الجاري اليوم الوطني للبيئة في سورية، والسؤال: هل يكفي يومٌ واحد في السنة للحفاظ على بيئة نقية ونظيفة؟ بالتأكيد لا، إن مسألة الحفاظ على البيئة هي مسألة عمل يومي ويجب أن تعاش دائماً وألا تغيب عن أذهاننا، لأن الإنسان هو المسؤول عن حمايتها، ولتعزيز هذه المسألة وجعلها مسألة حياة وممارسة لا بد للتربية والأسرة أن يكون لها الدور الأول في ذلك.

تهدف التربية البيئية كمفهوم إلى بناء المواطن الإيجابي الواعي بمشكلات البيئة. والتربية البيئية ليست فكراً نظرياً فقط، بل هي أيضاً ثقافة تربوية تطبيقية تتجلى بالفعل والممارسة والجهد المشترك لضمان بيئة صحية سليمة تستجيب للأزمات التي تواجه البشرية.

تعد الأسرة أهم مؤسسات المجتمع في تهيئة الأفراد للحفاظ على البيئة وحمايتها ودرء المخاطر عنها، ومنها يكتسب الأبناء المُثل العليا وقيم النظافة وترشيد الاستهلاك مما ينعكس إيجابياً على البيئة. إن ما يكتسبه الأبناء من أنماط السلوك إنما يأتي من خلال تعايشهم اليومي مع أسرهم، إذ تتشكل اتجاهاتهم من خلال مشاهداتهم اليومية لما يمارسه الأبوان. وتكاد تكون التربية بالتقليد والمحاكاة من أهم وسائل التربية التي يمكن أن تلجأ إليها الأسرة لبناء اتجاهات إيجابية فعالة عند الأبناء نحو البيئة وتعزيز قيم المحافظة عليها.

بعد الخراب والدمار الذي لحق ببيئتنا نتيجة الحرب والحصار، بات من الضروري إطلاق حملات نظافة شاملة من جديد، وإعادة بناء ما خربته الحرب، وفق سلم أولويات يكون بالدرجة الأولى فيها بناء الإنسان الواعي لبيئته وما يحيط به من أخطار، ومنها الحرائق التي تحصل في كل عام وتحرق الأخضر واليابس من مساحات واسعة من الأراضي الزراعية، والأشجار المثمرة والحراجية، والتي تقدر خسائرها بمليارات الليرات السورية، والغريب في الأمر أن هذا السيناريو بات يتكرر كل عام.

والمطلوب أن تكون هناك خطط وإجراءات للحفاظ على ثرواتنا الزراعية، وحماية بيئتنا من أي تخريب، سواء كان بفعل الطبيعة أو بفعل فاعل، بأن تكون هناك وحدات إطفاء قريبة من الأماكن الحراجية مجهزة بكل ما يلزم، وأن تشق طرقات نارية لحالات الطوارئ، وأن تقوم دوائر الحراج التابعة لوزارة الزراعة في تلك المناطق بأعمال تنظيف للأعشاب اليابسة، وأن تقوم بمهام المراقبة والحراسة على أكمل وجه، لقطع الطريق على المخربين والعابثين بهذه الثروة الوطنية العامة.

لا شك ستكون هناك خطط للمحافظة على البيئة من التلوث، البيئة بجميع عناصرها من ماء وهواء ومزروعات وأشجار وغيرها، وكل أساسيات حياة أيّ كائن حي يجب أن نحافظ عليها ونحميها من التلوث أيّاً كان. فكلنا بحاجة إلى تنفيذ تلك الخطط، ولكن لنخلق إنساناً صادقاً بحب وطنه ونقياً من التلوث الفكري الذي يعد من أخطر أنواع التلوث، إضافة إلى حماية الإنسان من كل تلوث أخلاقي ونفسي، فقد بتنا نشاهد كثيراً من هذه الحالات في حياتنا اليومية، ناتجة عن تردي الأوضاع المعيشية التي تدفع الكثيرين إلى الانحراف وإلى عالم العنف والجريمة والسرقة وإلى مهاوي الرذيلة.

 

العدد 1104 - 24/4/2024