التنمية الإدارية إلى أين؟

السويداء- معين حمد العماطوري:

يكثر الحديث هذه الأيام عن مشاريع الإصلاح ومنها التنمية الإدارية، التي لا نرى على صعيد الواقع إلا تزايد التعقيدات الإدارية التي هي الجزء الأهم من الفساد الإداري والإفساد العملي في منظومة القطاع العام.

 

العودة ليست تراجعاً

لو عدنا إلى ما كان يجري في سنوات ماضية، والعود كما يقال أحمد، والعودة ليست تراجعاً، نجد أنه في بداية السبعينات وبعد صدور قانون الإدارة المحلية، أصدر رئيس الوزراء آنذاك تعميما لكل وزارات الدولة جاء فيه: يطلب إلى كل وزارات الدولة عدم التدخل بالشؤون الداخلية للمحافظات وإعطائهم كل الصلاحيات اللازمة لتطبيق قانون الإدارة المحلية، وأن يقتصر دور الوزارات على ثلاث حالات:

– تقديم الدعم اللازم لقيامهم بمهامهم.

– إقامة المشاريع الكبرى التي تعجز البلديات عن القيام بها.

– إقامة الدورات التدريبية التي تأتي في إطار السياسة العامة للدولة.

ولو أمعنا النظر بذلك ودرسنا ما يحدث اليوم نجد أننا اليوم بحاجة إلى هذا التعميم أكثر من أي وقت مضى.

 

الدليل والبرهان

أكد السيد رئيس الجمهورية بتوجيهاته للسادة المعنيين على اللامركزية الإدارية.

ذلك التوجيه عقل متقدم ويتطلب النهوض بالتنمية.

بينما السادة الوزراء كمثال ليس أكثر يطلبون تحت طائلة المسؤولية موافقتهم المسبقة على التشغيل المؤقت لثلاثة أشهر.. فأين اللامركزية هنا؟

كما وجه السيد الرئيس بدعم الفلاح ودعم قطاع الزراعة، بينما عملت الحكومة على رفع سعر الأسمدة أربعة اضعاف، ورفعت سعر كيلو الكهرباء للأغراض الزراعية من ١٤ ليرة إلى ٣٣ ليرة، وإذا كان المزارع مشتركاً بخط محيد عن التقنين أصبح سعر الكيلو ٣٠٠ ليرة، أي زادت تكاليف الإنتاج لديه أضعافاً مضاعفة.

ولدى سؤالنا بعض المزارعين من أصحاب الآبار قالوا لنا: كنا ندفع قيمة الكهرباء في كل دورة ما بين مليون ومئتي ألف ومليون ونصف مليون، أي كل شهرين، وذلك على سعر ١٤ ليرة للكيلو، أما اليوم فكم سندفع؟

وما هو العائد الذي يمكن أن نحصل عليه؟

إن خسارتنا باتت واضحة بالإنتاج والمردود، ولم نحسب الاهتلاك الذي اهم أسبابه هو الأعطال الكهربائية نتيجة انقطاعها المتكرر، الأمر الذي أدى توقف معظم الآبار وهجرة العاملين في القطاع الزراعي، وهو يشكل 40 بالمئة من قيمة الطاقة العمالية، وكذلك يشكل القطاع الزراعي النسبة نفسها في الإنتاج والناتج المحلي.

وبالتالي من الطبيعي أن تزداد تكاليف الإنتاج، وينعكس ذلك على أسعار المنتوجات الزراعية في السوق المحلية، وخاصة التجار الذين يعملون على شراء ناتج الفلاحين والمزارعين بأقل الأسعار، ويعرضونها في السوق بأرباح خيالية، ما انعكس سلباً على المستهلك، وبقاء الفلاح بأرضه، ولذلك يصبح منطقياً أن يكون سعر أيّ مادة غذائية مرتفعاً.

ما يدفعنا إلى تشكيل قناعة أن الحكومة تعمل بسياسة متخبطة منهجياً واقتصادياً.

ويذكر أحد الباحثين الاقتصاديين أن توزيع السلطات هو أحد أركان الرقابة الذاتية (الداخلية)، تمركزها يتيح وقوع أخطاء أو مخالفات، بحيث تتكون السلطات المتعارضة من:

-سلطة اتخاذ القرار.

-سلطة تنفيذ القرار.

– سلطة حيازة المورد المرتبط به القرار.

– سلطة رقابة تنفيذ القرار وتقييم النتائج والأداء.

– وسلطة تخزين البيانات المرتبطة بتنفيذ القرار.

هذه السلطات في بيئة رقابة جيدة وشفافية عمل عالية لا يجوز أن يجتمع ولا حتى اثنتين منها بيد شخص واحد..

مع مراعاة أن الفصل يجب أن يكون حقيقياً وليس صورياً أو شكلياً.

ويتبع عملية الفصل المذكورة تحديد واضح للمهام والسلطات الممنوحة لكل شخص وقسم ومديرية، وهذا ما يعرف بالتوصيف الوظيفي، بحيث تبنى هيكلية الوظائف أصولاً من خلال مراعاة هذه القواعد، وكل مخالفة لها يعني أن باب الفساد مفتوح.

 

من مظاهر الفساد الإداري

-سرعة دوران اليد العاملة.

-انخفاض الإنتاج والكفاءة الإنتاجية.

– ارتفاع التكاليف.

– ضعف الأداء الإداري.

-وجود أشخاص في مواقع ليسوا أهلاً لها (من ناحية التخصص العلمي والشهادة والخبرة).

– انتشار الشللية والمحسوبيات.

-التواصل غير الرسمي (تقارير سرية ومن أشخاص غير معروفين).

– مراعاة المصالح الشخصية والحزبية والفئوية وتقديمها على مصلحة المؤسسة أو الجماعة أو الدولة.

وضمن الطاقة العمالية والتقانة هناك مسألة هامة تخص العاملين، إذ لا يجوز لمن يعيّن شخصاً فصله من الخدمة حتى لا يملك القدرة أو الهيمنة عليه لابتزازه مقابل قضايا شخصية حاملة لصفقات الفساد وتكوين الثروة غير قانونية من وراء العمل.

بالمقارنة بين رؤية العلم والخبرة في الماضي نقف على عتبة أن الحكومة مصرة على اتخاذ القرارات الارتجالية التي تصل بالمواطن إلى الهلاك، وتجعله يفكر بالهجرة طلباً للعيش.

ولابد من التزام الحكومة ومشاريعها وخاصة المشروع الوطني للإصلاح الإداري بالأسس العلمية والعملية المعروفة عالمياً، عند إعادة هيكلة القطاع العام وتحديد المهام والمسؤوليات وآليات العمل، وإلا سنكون مع الماضي ودمتم يا أصحاب التنمية الإدارية والاقتصادية والاجتماعية والخدمية تعملون على سياسة التطنيش والتطفيش.

العدد 1104 - 24/4/2024