أمنيات غارقة في الظلام

وعد حسون نصر:

عامنا الجديد لا يختلف عن الأعوام السابقة إلاّ بالهجرة الكثيفة للشباب الواعد وسعيهم وراء المجهول، بهمّهم الوحيد وهو الخروج من ظلام شوارع وطنهم وبرد جدرانه، وقيوده القائمة على طموحاتهم، للخروج من ذلّ طوابير الخبز والمازوت.. ربما ضاقت فسحة الأمل في وطن غرق بسباته، وتراكمت حولنا المحن. كيف لنا أن نفرح ومدارسنا غاب عنها رسلها الذين انتقلوا لينشروا رسائلهم في بلاد تقف لهم تبجيلا؟! لم نعد نشمّ رائحة الخبز تفوح من شوارعنا العتيقة، تناثرت رائحتها بعيداً مع غبار الطحين المدفون بنيران الغلّ لمواسم حُرقت انتقاماً، مداخن المنازل لا دخان يغزوها، لعلّها استسلمت للريح تصفر فيها، شجرة الميلاد بنجمة منطفئة كأن السلام غادر بلادي حزيناً من ظلام مغارتها، حتى عربة بابا نويل انحرفت عن سمائنا وكأنه قصاص لأطفالنا لأنهم ولدوا في زمن الحرب. أيُّ أمنيات وأيّة رؤية لبلد عاث الفساد فيه وزادت فيه غطرسة الطغاة! حزينة بلاد العيد التي دخلت عامها الجديد متشحة السواد كأنها ثكلى ودّعت وحيدها ليلة الميلاد، فهي حزينة على أطفال الميلاد الحفاة العراة، لا ملاذ لهم سوى أرصفة الطرقات، يستقبلون عامهم برعشة البرد على أصوات ملاعق سفرة الأثرياء ورصاص محدثي النعم جهلة الأعياد! وهنا لا تغيب عنا صورة أمهات كبّرن شباباً أرسلنهم للوطن فداءً ظنّاً منهم أن دمهم وقود لمدافئ البلاد، لكن يا حسرة دمهم تجمّد في عروق الآباء والأمهات قهراً على فلذة الكبد الذي نهشت جثته الكلاب!

لا أمنيات تحت قبّة وطن غرقت مدنه في الظلام، عامنا لا يليق بما قدمناه من تضحيات، لأنه عام ترجم الذلّ انتصارات، لعلّ القادم يلوح بيدٍ خضراء ومناديل ملونة ذهبية بلون قمح البلاد، بيضاء من لون قطنه، حمراء كأنها أول قطفة تفاح، لعلّ طيف الألوان يوحّد البلاد لنعود كما كنّا، فقد مللنا ونحن نسابق الريح لنحظى بمقعد في حافلة أو دور على طابور المخصّصات، نريده عاماً مليئاً بالخيرات من أرضٍ صيفها فاكهة وشتاؤها خضروات وربيعها لوز وخريفها حمضيات.. كثيرة هي الأمنيات، لكن أهمها الأمن والأمان والسلام في بلاد السلام، عام أتمناه خيراً للجميع دافئاً بذكريات الحب تحت سقفه يجمع شمل شتاتنا، مللنا الترحال والذلّ في أصقاع العالم وقبله في أزقّة الوطن.

جلّ أمنياتنا لهذا العام أن تعيدوا تشكيل الحكومة على أن يكون أعضاؤها خرجوا من رحم معاناة الذل، قاسمونا همومنا بالبرد والجوع والقرفصاء في وسائط النقل والوقوف على طوابير المازوت والخبز والمخصّصات، لعلّهم يصدرون قرارات تليق بحجم تضحيات شعب أنهكه القهر وينتظر عاماً جديداً ينصفه ويخرجه من هلاك أعوام الذلّ، لتصبح في الذاكرة مجرد ذكريات لا أكثر.

وأخيراً عام جديد على بلدي علّه يكون خيراً ينعم شعبه بالدفء والحب، وإن أراد أن يسافر فقط ليرى الحضارات لا ليكون لاجئاً في أصقاع العالم، ولا سورياً هزمته الحرب وشرّدته، فتركته فريسة للذل، تصفر في أمعائه رياح الجوع، وبين ضلوعه قرصات البرد، وفي ثنايا أفكاره رائحة القهر العفن من زوايا البلاد.

العدد 1104 - 24/4/2024