رغم كلِّ الأمل.. للصّبر حدود!
إيناس ونوس:
نفقٌ طويلٌ مظلمٌ لمَّا نزل نعيش بداخله، وعنق الزجاجة المفروض علينا أطول بكثير ممَّا توقَّعناه.
غابت أيَّة بارقة أملٍ من عيوننا ومن أرواحنا، ولم يعد للحلم متَّسعٌ في نومنا المتقطِّع كما تقطُّع التَّيار الكهربائي الذي بات زائراً ثقيل الظِّلِّ على بيوتنا وأغراضنا وحياتنا.
والفرح الذي كان يعترينا عند مجيء المياه قد غاب بغيابها الدَّائم، وانعدام أبسط مقوِّمات الحياة، كرغيف الخبز والدَّواء والدِّفء في هذا الشِّتاء القارس لكلِّ واحدٍ فينا، كبيراً أم صغيراً، مُسنَّاً أم شابّاً، عازباً أم متزوِّجاً.
وكأنَّ كلَّ آلهة السماء اجتمعت موقِّعةً صكَّ التَّنازل عن كلِّ مهامها لحكومتنا الموقَّرة، لتكمل متابعة نهجها في إذلالنا وإخضاعنا أكثر فأكثر، كأنَّنا أعداءها الألدّاء ولسنا من كنَّا نُدعى أبناء هذا الوطن ولنا فيه حقوقٌ كمواطنين كاملي الأهلية… لقد فقدنا كلّ شعورٍ بالمواطنة، فإحساسنا بأنَّنا غرباء في بيوتنا وشوارعنا وبلادنا هو المسيطر على كلِّ إحساسٍ آخر!!
نعم، وبكل قهرٍ نعلنها، فقدنا كلَّ مقوِّمات الإنسانية والحقَّ في العيش عيشة أيِّ إنسانٍ في بلاده، وما زلنا نستقبل كلَّ قرارٍ حكوميٍّ جديدٍ بوأدنا يوماً بعد يوم، وكلُّنا أملٌ بأن تخجل حكومتنا من تصرُّفاتها معنا، وبأن يكون الغد أفضل بعد كلِّ هذا الصَّبر والتَّعب.
غير أنَّ الصَّبر بحدِّ ذاته ملَّ منَّا، إذ لم يخطر بباله أنه سيوجد في هذا الكون من يفوق تحدِّيه وقوَّته، وبات يصرخ بصوتٍ أجشِّ: للصَّبر حدودٌ أيُّها الإنسان السُّوريّ!
إنسان؟؟!!
يا لهذه الكلمة كم هي ممتعة لو تذوَّقنا طعمها، وكم نحن متشوِّقون لأن نُعامل معاملة غيرنا من البشر حقَّاً.
ها هو ذا العام الجديد يطرق أبوابنا لكنَّ طريقته مختلفةٌ تماماً عمَّا يفعله مع دول العالم أجمع، فلا الأمن ولا الأمان ولا الحلم ولا الفرح ولا البهجة من زوَّارنا، بل إنَّ الظَّلام القاتم يظلِّل أرواحنا قبل عيوننا، فهل لهذا الإنسان المقهور المهدور أن يحيا ذاك اليوم الذي يستطيع فيه أن يرى بصيص نورٍ في آخر النَّفق؟؟؟
للأسف الشَّديد، كلُّ المعطيات التي نحياها لا تعدنا بذلك البتة، غير أنَّنا سنبقى نتحدَّى أيُّوب في صبره، وسنبقى نقاتل الموت اليومي في سبيل أن نحيا ولو يوماً واحداً في هذا العمر المحسوب علينا وكأننا مثلنا مثل غيرنا!!