الجولان.. بين مخططات الاحتلال وصمود السوريين فيه*

ذوقان شرف:

أقرّت الحكومة الإسرائيلية في اجتماعها الذي عقدته، يوم الأحد 26/12/2021، في الجولان السوري المحتلّ (خطة لتحسين البنية التحتية الحالية فيه، وإنشاء مستوطنات وأحياء جديدة، وتوفير حوالي 2000 فرصة عمل)، في إطار سعيها لتحويل الجولان إلى (عاصمة للطاقات المتجددة) في إسرائيل، ومضاعفة عدد المستوطنين الصهاينة فيه.

وأكد نفتالي بينيت (رئيس الوزراء الإسرائيلي) الخطة قائلاً إنها إحدى الخطط الرئيسة للحكومة الإسرائيلية لهذه الفترة.

وأضاف بينيت في مقال رأي نشره يوم الجمعة 24 كانون الأول، إن اليمين واليسار الإسرائيلي متفقان بما يخص هضبة الجولان، وإن الاستيطان في مرتفعات الجولان هو (أولوية قصوى للصهيونية).

وستستثمر الحكومة الإسرائيلية بموجب هذه الخطة مليار شيكل (317 مليون دولار). ونقلت الصحيفة الإسرائيلية عن وزير العدل الإسرائيلي، جدعون ساعر، أن للخطة هدفاً واقعياً هو مضاعفة عدد سكان الجولان من المستوطنين.

وأضاف ساعر: (لدينا فرصة لتحديد مستقبل الجولان على مدى أجيال كجزء لا يتجزّأ من دولة إسرائيل).

 

الولايات المتحدة تدعم الاحتلال

وكانت إسرائيل قد احتلّت الجولان السوري في حزيران 1967، إضافة إلى احتلال سيناء والضفة الغربية. وأصدر مجلس الأمن الدولي آنذاك القرار 242، الذي يطالب إسرائيل بالانسحاب من الأراضي التي احتلتها، والعودة إلى حدود 4 حزيران 1967، وأعاد مجلس الأمن الدولي تأكيد هذه المطالبة بقراره رقم 338 الذي اتخذه في أعقاب حرب تشرين الأول 1973. غير أن إسرائيل، مدعومةً بالولايات المتحدة وغيرها، ظلت تماطل في تنفيذ القرارات الدولية، بل إنها أعلنت، بعد أربعة عشر عاماً من الاحتلال، قانون ضمّ الجولان واعتباره جزءاً من أرض إسرائيل وفرض قوانينها وولايتها القضائية وإدارتها عليه وعلى أهله، وذلك في 14/12/1981. وقد أصدر مجلس الأمن الدولي قراره رقم 497 لعام 1981، القاضي بأن فرض إسرائيل قوانينها وولايتها القضائية وإدارتها على الجولان السوري ملغى وباطل، وليس له أثر قانوني دولي.

وتجدّد الأمم المتحدة سنوياً تأكيد هذه القرارات، وفي 9 تشرين الثاني الماضي 2021، اعتمدت اللجنة الرابعة في الأمم المتحدة القرار المتعلق بالجولان السوري المحتل، وصوّتت لمصلحته 144 دولة، واعترضت دولتان، وهما إسرائيل والولايات المتحدة، وامتنعت 22 دولة عن التصويت.

وطلبت الأمم المتحدة في القرار أن تمتثل إسرائيل للقرارات المتعلقة بالجولان، وخاصة قرار مجلس الأمن رقم 497 لعام 1981 القاضي بأن فرض إسرائيل قوانينها وولايتها القضائية وإدارتها على الجولان السوري ملغى وباطل، وليس له أثر قانوني دولي.

كما طلبت أن تكفّ إسرائيل عن تغيير الطابع العمراني والتكوين الديموغرافي والهيكل المؤسسي والوضع القانوني للجولان، وأن تكفّ بشكل خاص عن إقامة المستوطنات.

وربما كان دونالد ترامب (الرئيس الأمريكي السابق) أكثر وقاحة من غيره، في الموقف من احتلال إسرائيل للجولان، ففي 25 آذار (مارس) 2019 وقّع ترامب قراراً رئاسياً أمريكياً، تعترف بموجبه الولايات المتحدة الأمريكية بأن هضبة الجولان جزء من إسرائيل، وهو ما رُفِض من قِبَل الدول العربية كافة، وعدّ نسفاً لقرارات الأمم المتحدة التي توضح أن مرتفعات الجولان أرض عربية سورية احتُلت في حرب 1967. إثر ذلك أصدر الأمين العام للأمم المتحدة بياناً أعلن فيه أن (قرار الرئيس الأمريكي لا يغيّر من الوضعية القانونية للجولان بصفتها أرضاً سورية واقعة تحت الاحتلال الإسرائيلي).

 

صمود لا نظير له: الجولان كان وسيبقى سورياً!

وبعودة سريعة أربعين عاماً، يجدر التذكير دوماً بموقف أهالي الجولان الصامدين تحت الاحتلال، منذ 1967، في قرى مجدل شمس، ومسعدة، وبقعاثا، وعين قنية، من قرار الضمّ، فقد جاء رد الفعل، الفوري والمباشر، رافضاً لهذا القرار الاستعماري التوسّعي، من قِبل أهلنا المواطنين العرب السوريين الصامدين في جولاننا الحبيب، وعددهم نحو عشرين ألفاً، فقد أعلنوا ونفّذوا إضراباً احتجاجياً لمدة ثلاثة أيام، مطالبين سلطات الاحتلال بإلغاء هذا القرار. وتصاعدت المواجهات بين أهلنا في الجولان الحبيب، وقوات الاحتلال، التي سعت لفرض هذا القرار بالقوة عليهم، وكانت ذروة المقاومة عند أهلنا: إعلانهم الإضراب العام الشامل والمفتوح في 14 شباط 1982، ضد هذا القرار وضد الاحتلال، على أساس الوثيقة الوطنية التي توافقوا عليها، وقد استمر هذا الإضراب 157 يوماً متواصلاً (وهو أطول إضراب وطني في تاريخ سورية). وقد رضخت سلطات الاحتلال في نهايته لمطالب أهلنا بإلغاء فرض الهوية والجنسية الإسرائيلية عليهم. وكانت ذروة المواجهات قد جرت في (معركة الهوية) البطولية ضد الاحتلال في أوائل نيسان 1982.

لقد تسلّح أهلنا الأبطال هؤلاء في موقفهم الشامخ هذا، وفي كلّ مواقفهم البطولية، بإيمانهم بوطنيتهم العربية السورية، وبانتمائهم الأبدي إلى وطنهم الأم سورية، وبتمسُّكِهم بأرضهم التي روتها دماء الشهداء على مدى تاريخهم المجيد في مقاومة الغُزاة والمحتلّين.

ولا بدّ من الإشارة هنا أن الدعم المادي والمعنوي والإعلامي من أبناء الشعب الفلسطيني (من فلسطين التاريخية كلها)، كان له أثر جيد في دعم صمود أهلنا في الجولان المحتل.

 

أطماع متجددة

وفي سياق أطماع الاحتلال المُتجددة، التي لا تنتهي، كانت سلطات الاحتلال الصهيوني قد حاولت في 9 /12 / 2020 قضم مساحاتٍ جديدة من الأراضي الزراعية لأهلنا الصامدين في الجولان، تبلغ حوالي 4000 دونم، وذلك بذريعة إقامة مراوح هوائية ضخمة لتوليد الكهرباء، مدعومةً بقوات من شرطة الاحتلال، فتصدى أهلنا لهذه المحاولة بكل بسالة، وطردوا قوات الاحتلال وعمال شركة الكهرباء المعنية بالموضوع وآلياتها، وأخرجوهم من تلك الأرض العربية السورية، وقد جُرح العشرات من أهالينا الأبطال في تلك المواجهة.

لقد أثبتت إرادة أهلنا، في الجولان المحتل، أن غطرسة القوة والقمع لن تُجدي شيئاً في مواجهة شعب أصرّ على الدفاع عن كرامته، وأن العُصِيّ التي تهزّها القبضات القوية لأهلنا في وجه الاحتلال، هي إرادتهم العظيمة، وهي فروعٌ من شجر الجولان العريق، الضاربة جذوره عميقاً في تراب جولاننا الحبيب، كرامةً ووطنيةً وشرفاً ونبالةً.

  • اعتمدت في إعداد هذه المادة، إضافة إلى بعض وسائل الإعلام، وبخاصة ما يتعلق بصمود أهل الجولان، ما كتبه ونشره الباحث المعروف، ابن الجولان البارّ: حامد الحلبي.
العدد 1102 - 03/4/2024