الهجرة قَدَرْ أو خيار.. لكن التضامن واجب إنساني

إيمان أحمد ونوس:

شهدت البشرية منذ نشوئها هجرات متعدّدة ومتنوعة ولأسباب مختلفة، منها هجرات الجفاف، ومنها هجرات بسبب الفقر والبحث عن حياة أفضل، وكذلك هجرات الفتوحات أو الهرب من الحروب أو من بطش ديني، سياسي أو حتى اجتماعي، والأمثلة عبر التاريخ أكثر من أن تُحصى.

ولعلَّ أكثر الهجرات مأساويةً في التاريخ، كانت إلى زمن قريب (التغريبة الفلسطينية) التي نشأت بسبب تهجير الفلسطينيين من أرضهم وتوطين الاحتلال الإسرائيلي فيها بدفع مباشر وغير مباشر من الدول العظمى آنذاك.. غير أن الهجرات بعدها لم تتوقف في مختلف البلدان، ما دفع بالجمعية العامة للأمم المتحدة في الرابع من كانون الأول عام 2000 لإقرار اليوم العالمي للمهاجرين وتحديده في 18 من الشهر ذاته بعد الأخذ بعين الاعتبار الأعداد الكبيرة والمُتزايدة للمهاجرين في العالم. وفي مثل هذا اليوم كانت الجمعية العامة قد اعتمدت الاتفاقية الدولية لحماية حقوق جميع العمال المهاجرين وأفراد أسرهم.

لقد أقيمت احتفالية هذا العام 2021 تحت عنوان (تسخير إمكانات التنقل البشري)، إذ يساهم المهاجرون بمعارفهم وشبكاتهم ومهاراتهم في بناء مجتمعات أقوى وأمرن حسبما ورد في البيان الأممي الذي تابع قائلاً: ويمكن تشكيل المشهد الاجتماعي والاقتصادي العالمي من خلال قرارات مؤثّرة لمواجهة التحديات والفرص التي تُتيحها حركة التنقل العالمية. ويتيح الاتفاق العالمي الذي وقّع في عام 2016 وكذلك إعلان نيويورك من أجل الهجرة الآمنة والمنظمة والنظامية الفرصة والتوجيهات اللازمة لتحقيق التنقلات البشرية واغتنام الفرص التي تتيحها.

وساعدت المنظمة الدولية للهجرة منذ تأسيسها قبل 70 عاماً ملايين المهاجرين، كما عملت على مساعدة الأعداد الهائلة من الأوربيين الذين شرّدتهم الحرب العالمية الثانية، ولم تزل تواصل بذل قصارى جهودها في سبيل تعزيز إدارة إنسانية ومنظمة للهجرة بما يعود بالنفع على الجميع، بما في ذلك مجتمعات المنشأ والعبور والمقصد.

ينص البند الرابع من الاتفاق العالمي من أجل الهجرة الآمنة والمنظمة والنظامية على:

(يحقّ للاجئين والمهاجرين التّمتّع بحقوق الإنسان نفسها والحريات الأساسية العالمية التي يجب حمايتها واحترامها وتحقيقها في جميع الأوقات. ومع ذلك فإن المهاجرين واللاجئين مجموعات مُميّزة تحكمها أُطُر قانونية منفصلة، ويحقُّ للاجئين فقط التّمتّع بالحماية الدولية المُحدّدة التي يُبيّنها القانون الدولي لللاجئين).

أما البند 12 فينصُّ على:

(يهدف هذا الاتفاق العالمي إلى التّخفيف من أثر الدوافع والعوامل الهيكلية السلبية التي تعيق الناس عن بناء سبل العيش المستدامة والحفاظ عليها في بلدانهم الأصلية، وإجبارهم على البحث عن مستقبل في مكان آخر. ويهدف إلى الحدِّ من المخاطر ومواطن الضعف التي يتعرّض لها المهاجرون في مراحل مختلفة من الهجرة من خلال احترام حقوقهم الإنسانية وحمايتها وإعمالها وتوفير الرعاية والمساعدة لهم. ويسعى الاتفاق إلى معالجة الشواغل المشروعة للمجتمعات المحلية، مع الاعتراف بأن المجتمعات تشهد تغيّرات ديموغرافية واقتصادية واجتماعية وبيئية على مستويات مختلفة قد تؤثّر على الهجرة وتنجم عنها. ويسعى جاهداً إلى تهيئة ظروف مواتية تُمكّن جميع المهاجرين من إثراء مجتمعاتنا من خلال قدراتهم البشرية والاقتصادية والاجتماعية، وبالتالي تيسير إسهاماتهم في التنمية المستدامة على الصعيد المحلي والوطني والاقليمي والعالمي).

إن كل ما ذُكِرَ أعلاه يتطابق والواقع الذي فرضته الحروب والنزاعات السياسية التي حدثت في منطقتنا العربية، لاسيما بعد ما سُمّيَ بـ(الربيع العربي) وما تبعه من ويلات وكوارث لم تشهد البشرية مثيلاً لها، خاصة في سورية واليمن والعراق، فقد تبعثرت شعوب هذه البلدان في مختلف بقاع الأرض بحثاً عن أمان مفقود وسلام منشود في أوطانها، فشكّلت هجرات جماعية كثيفة تمّ احتواؤها في العديد من البلدان التي عملت على تعزيز قدرات وإمكانات المهاجرين الذين بات غالبيتهم اليوم فاعلين ومتفاعلين في مجتمعاتهم الجديدة، وهذه إحدى أهم إيجابيات الهجرات في كل زمان ومكان. لكن بالمقابل، كان هناك رفض من قبل البعض الآخر للتأقلم والاندماج في هذه المجتمعات بحكم الاختلافات المُتعدّدة من جهة، وبسبب صعوبة تعلّم اللغة والتواصل من جهة أخرى. وهنا كان لا بدّ من تضامن إنساني من قبل العاملين والمسؤولين عن أولئك المهاجرين من أجل تسهيل إقامتهم بأقلّ القلق والتوتّر والرفض، وذلك استناداً إلى القرار الأممي الذي أقرّته الجمعية العامة للأمم المتحدة في آذار عام 2006 باعتبار التضامن إحدى أهم القيم الأساسية والعالمية التي ينبغي أن تقوم عليها العلاقات بين الشعوب في القرن الحادي والعشرين، وقد تقرّر إعلان يوم 20 كانون الأول من كل عام يوماً دولياً للتضامن الإنساني، وعُزّز مفهوم التضامن بوصفه أمراً بالغ الأهمية في مكافحة الفقر، وفي إشراك جميع أصحاب المصلحة ذوي الصلة، من خلال مبادرات من قبيل إنشاء صندوق التضامن العالمي من أجل القضاء على الفقر وإعلان اليوم الدولي للتضامن الإنساني.

إن إقرار اليوم الدولي للتضامن الإنساني وقبله اليوم الدولي للمهاجرين يؤكّد أهمية احترام المجتمع الدولي والمنظمات الأمميّة لتحقيق المعاهدات المتفق عليها دولياً، بما في ذلك برامج عمل المؤتمرات الدولية والاتفاقات مُتعدّدة الأطراف الخاصة سواء باللاجئين والمهاجرين، أو الخاصة باحترام حقوق الإنسان وضرورة تأمين كل مستلزمات العيش الآمن والمُستقرّ له بعيداً عن الفقر والجوع والحروب والاستبداد بكافة أشكاله سواء في وطنه أو مكان لجوئه.

الأمين العام للأمم المتحدة قال في رسالته بمناسبة اليوم الدولي للتضامن الإنساني:

(دعونا نؤكّد على دور التضامن البشري في بناء حياة كريمة للجميع على كوكب سليم، يجب أن نعمل معاً لتحقيق أهداف التنمية المستدامة وتحقيق المستقبل الذي نصبو إليه. التضامن مهم جداً لدرجة أنه يدعم العديد من القيم الإنسانية الأخرى مثل الصداقة أو الإخلاص أو الشرف، يجعلنا نشعر بالوحدة العاطفية مع الأشخاص المدعومين).

وهنا لا يمكننا نحن السوريين الذين نفتقد اليوم في وطننا لأبسط قواعد التضامن والحماية والتعاطف إلاّ التساؤل: ألا نستحق من حكوماتنا بعضاً من هذا التضامن الذي يمكنه لو حصل أن يعيد إلينا إنسانيتنا التي أهدرها الفقر والعوز والبرد والجوع والظلمة!؟؟

العدد 1102 - 03/4/2024