صوتٌ مبحوحٌ.. وإنسانيةٌ موءودة

إيناس ونوس:

إن كنتَ خاضعاً لمزاجية الآخر/ين دون امتلاكك القدرة على الرَّفض.. فأنت عبد.

إن كنتَ موظَّفاً ما عليك إلاّ الارتهان لرغبات مديرك المباشر.. فأنت عبد.

إن كنتِ خانعةً لمنظومة تفكير مجتمعية تجعل منك سلعةً، أو تحرمك من إنسانيتكِ ومن تحقيق ذاتكِ.. فأنتِ رقّْ.

إن كنت طفلاً يتوجَّب عليك تنفيذ كلِّ ما تفرضه عليك (التَّربية المهذَّبة) دون أن تطلق العنان لجناحي طفولتك.. فأنت عبد.

إن كنتَ مواطناً غير حاصلٍ على أبسط حقوقك، ومطالباً بتنفيذ واجباتكَ على أكمل وجهٍ.. فأنت عبد.

انتهى عصر الرِّقِّ والعبودية المعروف للجميع منذ زمنٍ طويلٍ، نعم، ولم نعد نراهم كما كنّا نقرأ عنهم في القصص والرِّوايات، إنَّما آليات التَّعامل مع الآخرين (أشخاصاً أو مؤسَّساتٍ أو دولاً) كرقٍّ أو عبيدٍ لمَّا تزل بعد، والصُّور والمشاهد أكثر ممَّا نتوقَّعه بكثير، ونعيشها يومياً في أبسط تفاصيل يومنا دون أن ندركها، فحين تخضع بلدانٌ برمَّتها لتبعية بلدٍ واحدٍ يمتصُّ قدراتها ومقوِّماتها، ويحرم مواطنيها من أبسط حقوقهم بذريعةٍ أو أخرى فهذا شكلٌ من أشكال العبودية، وعندما تتسلَّط حكومةٌ على مواطنيها حارمةً إيَّاهم من مقوِّمات الحياة، سارقةً منهم أحلامهم وآمالهم، جاعلةً منهم أدواتٍ لتحقيق مصالحها الخاصَّة، وآلاتٍ تلهث خلف لقمة عيشٍ فهذه صورةٌ أخرى من صور العبودية والرِّقِّ غير المرئي، وحين نشهد سعي أجيالٍ كاملةٍ لهجرة بلدانها من أجل تأمين مستقبلها في بلدانٍ تصنِّفهم بالدَّرجة العاشرة وما دون فإنَّنا أمام مشهدٍ منمَّقٍ من مشاهد زمن الرِّق الذي نتبجَّح بأنه قد ولَّى إلى غير رجعة.

بالتَّأكيد، خطت البشرية خطوةً جدُّ مهمةٍ حينما تمَّ القضاء على العبودية عبر مسيرة جهودٍ طويلةٍ وحثيثةٍ من مناضلين أشاوس رفضوا الظُلم والاضطهاد، ونادوا بالمساواة في الحقوق والواجبات بين أفراد المجتمع البشري أجمع، إلاّ أنَّ هذا المجتمع ذاته عاد ليعيش الحالة بأشكالٍ مختلفةٍ ومتنوِّعةٍ بشكلٍ كبيرٍ، رغم كلِّ المعاهدات والمواثيق الدَّولية التي تندِّد وتقف صارخةً في وجه العبودية والقائمين عليها، وهذا ما يجعل التَّقهقر أشدّ وأكثر إيلاماً، فالنُّكوص أكثر مرارةً من المرض بحدِّ ذاته، والمؤسف أكثر أن صوت مناهضي فكرة الرِّق بات مكتوماً ومبحوحاً، بل إن أعدادهم باتت أقلُّ من ذي قبل، بالرَّغم من أنَّ الحل الوحيد للعيش بسلمٍ داخليٍّ سواء على الصَّعيد الخاصِّ أو الصَّعيد العام هو إعلاء الصَّوت في وجه كل من يمارس اضطهاد الآخر واستخدامه عبداً لتحقيق مصالحه، وبعد ذلك يجب النُّهوض المنظَّم والفعَّال بخطواتٍ عمليةٍ وقوانين ومعاهدات واتفاقيات قابلة للتَّطبيق على أرض الواقع لإيقاف هذه المشاهد، أمّا أن يبقى الحال على ما هو عليه، مُغمضين العيون عمَّا يحدث، متَّبعين مقولة (أنا ومن بعدي الطُّوفان) فلن تأتي النتائج إلاّ أشدُّ كارثيةً بحقِّ الإنسان والإنسانية ندفع ثمنها في كلِّ لحظةٍ من حياتنا أجمعين.

العدد 1102 - 03/4/2024