اشرب حشيش؟.. كبر البحر بحبك!

لنتخيل معاً_ لا سـمح اللـه_ أنـه جرى اسـتخدام الموسيقا فـي مستشـفياتنا كأحـد الأسـاليب العلاجيـة للمرضـى، لتهدئـة الأعصـاب والترويـح عـن النفـس، وكان العلاج معتمـداً على اختيـار المريـض للأغنية أو المقطوعة الموسـيقية التي يريد سماعها، هـل تتوقـع أنه سـيختار فور اليزا (مقطوعة هادئـة لبيتهوفـن قوامهـا البيانـو)، أم أغنيـة عربيـة لفيـروز مثلاً؟ ولكـن هـل تتوقـع عزيـزي المواطـن أن الـذوق العـام سـوف تنفـع معـه هـذه المسـكنات الهادئـة؟

فالمواطن الذي اعتاد سماع عزيز صـادق وسـارة زكريا لم تعد تجدي معه فور اليزا ولا غيرها.

انتشرت في الآونة الأخيرة أغانٍ عربية لا ترقى لمستوى عقل الإنسان الواعي ولا تليق بمشاعره السامية، فتجد الصغير قبل الكبير يستمع إلى صراخ وليس لصوت غنائي، وكأن (الفنان) يريد أن ينقل لك معنى الآه كما كانت تقولها أم كلثوم ولكن بأسلوب جديد غير مسبوق على هيئة (زعيق) تنتهي بـ (يا ويلااااه)! وقد تصيبك الحيرة عندما ترى طفلاً يجلس بكل براءة ليغني لك صراخ أغنية (اشرب حشيش لو يوم ما كلمنيش، حبيب معاك يعيش غيرك ما بتغرينيش والباقي بكرهاااا!)

تلك أغنية لا تستطيع اللحاق بكلماتها من سرعتها، فتستعين بغوغل إذا دفعك الفضول لمعرفة الكلمات، عدا زعيق المغني الذي ربما يسبب الطرش لكبير في السن إذا كان على مقربة من الصوت. هل يستمع السميعة حقاً إلى كلمات الأغنية؟ وإذا كانوا يستمعون هل يوجد رسالة من تلك الكلمات؟

ما يثير استغرابي، على أي أساس يتم اختيار الكلمات التالية؟ على سبيل المثال (سلم ع أمك سلم قلا إجا المعلم) أو (لاقيلي ع الزميرة ويلي وين الويسكي والبيرة) أما الأخيرة: (يلعن أبو المكياج العالم دمر يللي بتشوف نانسي بتطلع جعفر)!

إذا كان التأثير الذي يسببه ذلك الزعيق في تلك الأغاني هو الحماس فيُذهِب عن السميّعة التوتر، هل من المعقول يحتاج مستمعونا فقط إلى شعور الحماس؟

قد نخاف أن يرتفع سقف الحماس وتقدم على حل معضلة في مجتمعك غير مسموح لك الاقتراب منها.

إن دعم مستمعينا لتلك الأغاني بزيادة المتابعة قد يساهم في ترسيخها وانتشارها بشكل أكبر مما يسيء إلى الهوية الثقافية لمواطننا السميّع، الذي كان قد اعتاد أن يستيقظ على (شايف البحر شو كبير كبر البحر بحبك) لفيروز، وينام على (كنت بشتقلك وأنت وأنا هنا) لأم كلثوم.

نرجو أيها السادة أنسنة الموسيقا والأغاني الجديدة بوضع معايير فنية ترقى بوعي الإنسان وتلامس مشاعره وتريح أعصابه، لأن استمرار الغناء بهذه الكلمات الفارغة المعنى والمضمون، وبهذه الموسيقا الصاخبة سوف يحول الواحد منا إلى شبه إنسان، قد يكلم نفسه في الشارع من فرط الحماس التي تسببه (تلك الموسيقا)!

دام عزكم أيها السادة ما رأيكم؟!

العدد 1102 - 03/4/2024