جرائم خلف ستائر سميكة

حسين خليفة:

تسجّل لـ(النور)، وتحديداً لصفحة (شباب ومجتمع) فيها، إثارتها لقضايا إشكالية ومسكوت عنها غالباً من الإعلام المحلي، وموضوع (سفاح الأقارب)،  أو (التحرش الأسري)،  أو (زنا المحارم) كما يسميه آخرون، هو من المواضيع الشائكة والحسّاسة والمسكوت عنها، لما تسببه من حرج اجتماعي وأخلاقي على الجاني وعلى الضحية أيضاً للأسف، لذا تموت معظم القصص والحكايات الخاصة بعلاقات جنسية بين اثنين من أفراد العائلة، او اعتداء أحد الأقارب على فتاة من العائلة، في قلوب أصحابها، ولا تخرج إلى الضوء متحوّلة إلى ندبة سوداء في الروح تظهر وتختفي كل حين.

المصطلح ليس بحاجة إلى تعريف، فهو واضح ويعني قيام علاقة جسدية أو لفظية، أو حتى بصرية، بين شخصين من عائلة واحدة (أخ وأخت، ابن وأم، ابنة وأب، زوجة أب وابن، زوج أم وابنة، …إلخ)، أو اعتداء من أحد الأقارب (عم، خال، عمة، خالة … الخ) على قاصر أو راشد من أفراد العائلة، وتبقى هذه العلاقات طيَّ الكتمان الشديد ما لم تكشفها فضيحة ما، كحمل الفتاة مثلاً، أو هروبها، أو إيذاء المعتدي أو المعتدى عليها جسدياً خلال الدفاع عن النفس.

وغالباً ما تدفع الضحية (الأنثى في معظم الحالات) ثمن هذه العلاقات الخاطئة، سواء عبر تعرّضها لعقاب من ذكور العائلة في المجتمعات الشرقية تحديداً، بقتلها لأنها برأيهم تسببت بفضيحة العائلة و(نشر عرضها)، أو عبر إصابتها بأمراض نفسية تمنعها من أن تعيش حياة جنسية وعاطفية طبيعية لاحقاً، تصل إلى حد الحقد على الجنس الآخر، وهو ما يسمى بـ(النمط الغاضب) في علاقات سفاح الأقارب، حيث تكون هناك مشاعر غضب من الضحية تجاه الجاني، وهذا يحدث حين تكون الضحية قد أُجبرت تماماً على هذا الفعل دون أن يكون لديها أي قدرة على الاختيار أو المقاومة أو الرفض، ومن هنا تحمل الضحية مشاعر الغضب والرغبة في الانتقام من الجاني. وربما يُعمّم الغضب تجاه كل أفراد جنس الجاني، ولذلك تفشل في علاقتها بزوجها وتنفر من العلاقة الجنسية ومن كل ما يحيط بها، وتصاب بحالة من البرود الجنسي ربما تحاول تجاوزها أو الخروج منها بالانغماس في علاقات جنسية متعددة، أو أنها تتعلم أن السيطرة على الرجال تتم من خلال هذا الأمر، فتصبح العلاقة الجنسية برجل نوعاً من الطغيان والتجبّر عليه وسلبه قوّته أو ماله.

وهناك ما يسمى بـ(النمط الحزين) من هذه العلاقات، وفيها تشعر الضحية بأنها تتحمّل مسؤولية حدوث العلاقة، بتهيئة الظروف لوقوعها، أو عدم إبداء المقاومة المطلوبة، أو الخضوع لإغراء الحصول على تميّز ودلال في العائلة لدى الأب أو الأخ الأكبر أو زوج الأم، فتتحوّل إلى عدائية تجاه نفسها، وتؤذي نفسها أحياناً لتصل إلى حدود الانتحار في حالات متطرفة.

وفي التاريخ إنّ هذا النوع من العلاقات كان شائعاً في أوساط الأسر الملكية قديماً مثل الفراعنة في مصر، وذلك للحفاظ على نقاء السلالة.

تزداد نسبة هذه العلاقات (أو التي يتمّ الكشف عنها على الأقل) في البيئات المكبوتة، حيث يتم قمع الرغبات الجنسية للمراهق/ـة، وتعتبر أي علاقة قبل الزواج أو مجرّد الاختلاط والحديث العادي جريمة وفضيحة أخلاقية، ممّا يدفعهم إلى التنفيس عن هذا الكبت وتحقيق الرغبة الجسدية مع أحد أفراد العائلة حيث لا توجد شكوك عند الاختلاط ولا تسبب فضائح إلاّ في حالات قليلة، لكن لها أثراً مدمّراً جسدياً وروحياً على الضحية.

كما تؤثّر الحالة المادية وضيق السكن للأسر الفقيرة على حدوث مثل هذه الحالات، حيث يسبّب تلاصق الأجساد خلال النوم مثلاً حالات غريزية منفلتة، أو رؤية مشاهد جنسية بين الأبوين …الخ، ممّا يثير الغرائز المحرمة ويخرجها من عقالها. يُضاف إلى ذلك دور الإعلام والإعلان والدراما (في بعض الحالات) في إثارة الغرائز البدائية لدى الشباب بغرض التسويق والانتشار، والدور الأخطر هنا في الإنترنت الذي يتيح لأيٍّ كان الدخول إلى المواقع الجنسية لتتكوّن لديه رؤية مشوهة حيوانية عن العلاقة الإنسانية وإثارة هائلة قد تدفعه إلى ارتكاب مثل هذا الفعل. هناك أيضاً تأثير الإدمان والمخدرات والبطالة.

السؤال الأهم هنا: كيف يمكن أن نحدّ من حدوث هذه العلاقات وننقذ ضحاياها من آثارها بتلافيها قبل وقوعها؟ هل تكفي تعاليم الأديان والأخلاق العامة للوقوف في وجه هذا الوحش المنفلت من عقاله؟

ينبغي معالجة العوامل المُسبّبة لحدوث هذه العلاقات، وهي مشاكل كبيرة ليس من السهل حلّها، كمشكلة الفقر التي تتفرّع عنها ظاهرة الازدحام داخل المنزل بل داخل الغرفة الواحدة، ومشكلة الكبت الاجتماعي التي تتداخل مع مشكلة الفقر، حيث القدرة على الزواج وتحقيق اكتفاء جنسي تتعلّق بمستوى الدخل إلى حدٍّ كبير، إضافة إلى الجهل الذي يرتبط هو الآخر بالفقر، والتكاثر السكاني المرعب ورفض أي محاولات لتحديد النسل في البيئات المتخلفة والمحافظة.

لذلك بالتزامن مع العمل الذي لم يتوقف يوماً في تاريخ البشرية من أجل حل مشكلة الفقر والتفاوت الطبقي، وسيبقى مستمراً ما استمرت الحياة، لا بدَّ من أن تقوم الجهات المسؤولة عن التربية والتعليم ورجال الدين والمربون بدورهم في متابعة هذه الحالات، وعدم الاختباء خلف الكلام المنمق والهروب من بحث المشكلة، وطرحها بوضوح وجرأة من أجل تنبيه الآباء والأمهات أولاً، والشباب والمراهقين خصوصاً، إلى خطر هذه العلاقات على الأسرة وتماسكها وتوازنها، وخطرها الأخلاقي والقيمي على المجتمع.

كما يجب تأمين الأماكن المناسبة للشباب والشّابات لملء أوقاتهم بالنشاطات المفيدة (نوادي، ملتقيات، جمعيات… الخ) تقوم بتنمية ميولهم الروحية والجسدية بالثقافة والرياضة والرقص والغناء وغيرها من النشاطات الجميلة، والتي تنمي روح الألفة والتعاون وتخلق علاقات طبيعية تحدُّ من العلاقات الشّاذة.

فمسألة مهمة وضرورية مثل الاختلاط في المدارس والجامعات والأماكن العامة تجد من يعتبرها جريمة أخلاقية وكفراً بواحاً، فيما لا يجد هذا نفسه أيّ ضير أو خلل في ملايين المحرومين من سكن لائق وتعليم مستمر وحياة إنسانية، ويعتبرها من طبيعة الأشياء.

لا بدَّ من مصارحة أنفسنا والآخرين بوجود ظاهرة كهذه، ومتابعة الأبناء من قبل الأبوين بالدرجة الأولى، ومعالجة أي حالة قد تظهر منذ بدايتها بهدوء ورويّة لا بالعقاب والزجر.

العدد 1104 - 24/4/2024