تناقضات وزارية ترفع الأسعار بين ليلة وضحاها

سليمان أمين:

عندما تكفّ الحكومة عن اعتماد سياسة التاجر الواحد وترفع يده عن السوق، وتفعل قوانينها الناظمة وتعمل بها، سوف يصبح بلدنا السوري بألف خير.

تعلن الحكومة انتصارها على المواطنين برفع أسعار الخدمات الأساسية كالكهرباء والاتصالات وغيرها من الخدمات الأخرى، إضافة إلى رفع أسعار الغاز والديزل الذي أدى إلى رفع أسعار المواد الغذائية والسلع الأخرى إلى حدود كبيرة، وما زالت مستمرة بارتفاعها بشكل هستيري، ورعاية وزارية مستمرة بإطلاق التصريحات الخلبية التي أثارت استهزاء كبيراً في الشارع السوري الداخلي والخارجي، فمن غير المنطقي أن يصرح مسؤول وزاري بالنفي حول قرار ما صباحاً، ويحدث العكس مساءً بإصدار القرار الذي نفاه، فلم يعد لدينا قضايا تعالج سوى تسابق مسؤولينا لرفع رسوم المعيشة وأساسياتها وتفقير من بقوا على حد الوسط، فكل الملفات الخدمية عولجت بالطرق المثلى لخبرات حكومتنا العتيدة الفائقة الحكمة والذكاء، والتي فاق ذكاء خططها العلاجية في حل القضايا المعيشية مشاريع وخطط الدول المتقدمة، حتى رغيفنا الذي صمد ورفض الاستسلام  لسنوات طويلة، فإن عنف القرارات الحكومية أرهقته وما زالت ترهقه حتى اليوم، غير مدركين أن الخبز هو وطن سلب كل امتيازاته، وأصبح رهينة قراراتهم تتلاعب به وفق مزاج مصدريها.

تخبطات كبيرة تشهدها حكومتنا اليوم، وخصوصاً وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك التي تنفي وتصدر القرارات بشكل كارثي خلال الفترات الماضية، وقد باتت حديث الشارع وشغله الشاغل بسبب التناقضات الكبيرة بين تصريحات مسؤوليها و قراراتها التي تصدرها برفع أسعار المواد والمنتجات الغذائية والسلع الأخرى التي حققت أرقاماً قياسية خارجة عن المنطق، فباتت أسعار بعض المواد أكثر ارتفاعاً من متوسط سعرها العالمي مثل الزيت والسكر وغيرهما من المواد الأخرى، رغم تصريحات الوزارة المنفصلة عن الواقع حول سعر ليتر الزيت، فأجود أنواع الزيوت النباتية يباع في متاجر أوربا والدول الأخرى بدولار ونصف دولار، فالسوريون منتشرون في كل البلاد العربية والأوربية، وقد نشروا صوراً لأسعار الزيت بكل وضوح في أماكن وجودهم، ولكن وزارة حماية المستهلك تأبى أن ترى الواقع والمنطق وأن تدقق في إجازات الاستيراد عن السعر الحقيقي والمنطقي، فهناك سياسة التاجر الواحد الذي لا يمكن أن يتجاوزه أحد، فهو أعلى من كل القوانين الوزارية وبيده تبديل ومحاسبة كل من سولت له نفسه تطبيق القانون الناظم للبلد والحكومة، فلم يعد مخفياً على أحد سياسة التاجر الواحد المستورد لكل المواد الغذائية والمتحكم فيها منذ سنوات طويلة، وكل الروايات بصعوبة تأمين استيراد المواد الغذائية غير مقنعة واقعياً، فعلى سبيل المثال كيف يتم استيراد أحدث موبايل في العالم دون أي صعوبة وغيره من سلع رفاهية المجتمع المخملي، وحكومتنا تجد صعوبة في استيراد غذاء المواطنين، فكيف لهذه المعادلة أن تكون واقعية؟!

شهدت الأسواق خلال الأسابيع الماضية ارتفاع أسعار كبيراً على كل السلع وخصوصاً قطاع الألبان والأجبان الذي سجل عدة ارتفاعات في الأسعار، وقد سجل هذا الأسبوع ارتفاعاً جديداً آخر وفق نشرة أسعار التموين، ففيها سعر كيلو الحليب 1800 ليرة سورية، واللبن 2200 ليرة سورية، وكان قبل الارتفاعات الأخيرة  سعر عبوة اللبن يتراوح بين 1200 و 1400 ليرة سورية، أما بالنسبة للأجبان فقد سجلت ارتفاعات كبيرة جداً خلال فترة قصيرة، وبات الفرق بين السعر في شهور الصيف والسعر اليوم يعادل 6000 ليرة للكيلو الواحد بفارق الارتفاع الحاصل، ومازال مسلسل الارتفاع السعري مستمراً دون توقف، وهذا أدى إلى تراجع كبير في البيع، فقد تراجعت القوة الشرائية في الأسواق السورية لدرجة كبيرة خلال الشهر الماضي وفق ما صرح به الباعة وصغار التجار، وعزوا ذلك لقلة دخل المواطن وعدم توفر المال للشراء، وهذا انعكس سلبياً عليهم ما سيؤدي إلى إغلاق الكثير من المحلات كما حدث بالنسبة لبعض القطاعات ومنها ورشات الألبان والأجبان، كما سجلت المواد الغذائية بكل أنواعها ارتفاعات جديدة، والسبب هو ارتفاع أسعار النقل، فكيف يرتفع سعر النقل ثلاث مرات منذ رفع سعر الديزل الأخير، وهذا ما ذكرناه في المقال السابق بأن قادم الأيام يوضح ما يحمله قرار رفع الديزل وتوفره للصناعيين، ولعل قادم الأيام يحمل كارثة أكبر لنا جميعاً، فلننتظر ماذا سيحدث كما يقول المثل (المياه تكذب الغطاس).

أما بالنسبة لصالات السورية للتجارة التي كانت سيدة المشهد في تصريحات مسؤولي وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك، فهي أول من رفع تسعيرة موادها، وهي تعتبر أكثر ارتفاعاً من أسعار المواد في الأسواق، وسنفتح ملفها في العدد القادم وما يدور خلف الكواليس.

العدد 1104 - 24/4/2024