عذر أقبح من ذنب…شرعنة الغش والمواطن خارج الاهتمام
النور-السويداء-معين حمد العماطوري:
يبدو أن معيار العلاقة مع أعضاء الحكومة واحد لا يتبدل ولا يتغير، إذ يخطئ من يظن أنهم يختلفون أحدهم عن الآخر في المنهج والتفكير، خاصة في سلوكهم الحكومي بالتعامل مع المواطن بسذاجة واعتبار المواطن سوقاً لتصريف أفكارهم وآرائهم الناجمة عن العجز والتقصير في إنجاز الإصلاح وتحقيق التنمية، خاصة أنهم دخلوا في دوامة التصريحات العشوائية معتمدين على مبدأ: كلام الليل يمحوه النهار، والعكس صحيح أيضاً، بحيث يأتي ذلك وفق خطة ممنهجة لخدمة الفساد والفاسدين، وتعزيز ثقافة الإفساد وزيادة المفسدين.
فبعد أن أصدرت وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك مؤخراً قرارتها الجائرة بزيادة أسعار المحروقات والكهرباء، وتصريحها بعدم انعكاس تلك الزيادة على المستهلك، منحت بطريقة غير مباشرة التجار فرصة رفع أسعار سلعهم دون رقابة أو تحديد سقف لذلك، لأنها أصلاً غير قادرة على التحكم بسياسة السوق، الأمر الذي جعل القوة الشرائية تضعف أكثر والتضخم يزداد، واقتضى الأمر استخدام مصطلح جديد في التعبير عن الغش المباشر وهو مصطلح (أشباه) ذلك لأن وزارة التجارة الداخلية قد طبقت المثل الشعبي القائل (عذر أقبح من ذنب) أي أنها قامت بتبرير إهمالها في الرقابة على الأسواق بشرعنة مخالفة مستخدمة منذ أكثر من خمسة عشر عاماً، دون مبالاة بحياة الناس وما سوف تخلفه قرارتها وتغاضي بصرها الحاذق عن انتشار مرض السرطان وتكاليف علاجه الباهظة وغيره من الأمراض بعد ارتفاع أسعار الأدوية الجنوني، وكأني بها تعترف بقرارها الذي تراجعت عنه بعد أن رأت الشارع قد ضج من عملها الذي لا ينفع في حياة المواطن المعيشية والاقتصادية والصحية، وكأني بها تقول للمواطن: (تناول ألبان ومشتقات الحليب المغشوشة فأنت أصلاً تتناولها منذ سنوات) وهو مؤشر واضح المعالم أن عين الرقابة لديها عوراء فهي لا ترى إلا الأشياء البسيطة، والدليل أنها تنشر في وسائل متنوعة متفاخرة أنها حققت عدداً من ضبوط مخالفات في مدينة ما أو قرية ما، والأهم أن تلك الضبوط هي للمحلات الفقيرة البسيطة ذات العائد الاقتصادي المحدود، ولكن هل تتجرأ وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك ومعها المالية الموقرة أن تدخل إحدى المنشآت الضخمة وتطبّق إجراءاتها الرقابية الصحية؟! أجزم أنها لا تستطيع، ولا حتى تتجرأ على التكليف الضريبي بشكل علمي ومنطقي لأي منشأه اقتصادية أصحابها من ذوي النفوذ، وبالتالي شرعنة المصطلحات والترويج لها، تجعلنا أمام مسألة معقدة قليلاً في كيفية تصديق ما تريد يقيناً أنها تضمر للمواطن السوء.. والدليل أنها صرحت أن الزيادة في أسعار الغاز يجعل المادة متوفرة وتمنع السوق السوداء، وبعد تمرير رفع الأسعار وامتصاص غضب المجتمع الذي بات منهكاً اقتصادياً واجتماعياً وأخلاقياً وإنسانياً بسبب منعكسات الحرب التي أفرزت انحلالاً أخلاقياً في المجتمع، بمساعدة من يسعى دائماً لنشر ثقافة تسهّل السيطرة والتحكم بمصائر الأفراد والشعوب، عاد الوضع أسوأ مما كان من احتكار ونقص في المادة، لكن للأمانة السيد وزير التجارة وحماية المستهلك لم ينم طيلة ليلة رفع سعر المحروقات، فما الهدف؟!!
لكنه نام باقي أيامه بسلام وطمأنة لأنه لم يتأثر منصبه بذلك، واستكانت نفسه فصرح أن رفع سعر المادة لا يعني بالضرورة توفيرها أو التقليص من عدد أيام الحصول على أسطوانة الغاز التي تحتاج إلى 90-100 يوم، المهم زيادة سعرها، وهذه التصريحات رسخت في ذهنية المجتمع مدى ضعف مصداقية الحكومة وعناصرها التقنيين وأفكارهم المعلوماتية المتطورة في الاستهتار بعقل المواطن وكرامته.
أخيراً بات يقيناً أن الشارع قد فقد الثقة بالحكومة وانطفأ بصيص الأمل، وهو مقتنع أن الجوع والقهر والإذلال هي الخطة المعتمدة، وبالتالي ليس أمامه إلا الرضا والتسليم بما حكم وقدر من الله على هذا الشعب وتسليم أموره لله وحده.. لأن أعذار الحكومة أقبح من ذنوبها.. وهي مستمرة في ذلك النهج.