ربما الوحدة أو الفراغ أو الرغبة بالابتعاد عن البشر
وعد حسون نصر:
ربما الوحدة أو الفراغ أو الرغبة بالابتعاد عن البشر جعلتنا نرى على نطاق واسع ظاهرة انتشار تربية الحيوانات الأليفة في الآونة الأخيرة ضمن مجتمعنا، وخاصةً الكلاب والقطط، إذ باتت هذه الظاهرة تنتشر بين مختلف الشرائح والفئات العمرية أو حتى من حيث الوضع المادي، البعض يلجأ إليها لغاية الألفة والتسلية، إذ جعل من هذا الحيوان أنيساً وصديقاً له يشاركه وحدته ويمرح معه، وخاصةً الأشخاص الذين يقطنون بمفردهم، أو المتزوجين الذين لم يرزقهم الله طفلاً يسلّي وحدتهم، أو كبار العمر ممّن يرغبون بوجود روح جديدة تضيف على حياتهم المرح. كذلك أشخاص لديهم ممتلكات ويخشون من السرقة يرون بوجود حيوان وخاصة الكلاب ضرورة في المنزل، يعتادون عليه ويصبح جزءاً من المنزل، والبعض بسبب فشل علاقة عاطفية والخروج منها مهزوماً وحيداً، فيلتجئ لحيوان أليف وجد فيه وفاء أكثر من شريكه السابق، وهنا يصبح هذا الكائن عند البعض معادلاً للروح. وفي المقابل نرى البعض يرغب في اقتناء حيوان أليف كنوع من الرفاهية ليظهر للآخرين أنه شخص مقتدر. وبذلك ومهما كان السبب، تُعتبر ظاهرة تربية الحيوانات الأليفة في المنزل وخاصةً الكلاب والقطط ظاهرة جديدة، إذ تزامن انتشارها مع ظهور الفضائيات ودخول وسائل التواصل الاجتماعي والانفتاح على مجتمعات أخرى، جعلت هذه الظاهرة تنتشر كثيراً وبالأخصّ بين جيل المراهقين والشباب، ليصبح الحيوان هنا جزءاً من المنزل وفرداً أساسياً بالأسرة له مصروفه الخاص وطبيبه ودواؤه ومكانه وطعامه وحتى ملابسه وألعابه الخاصة، والويل الويل لمن يحاول إزعاج هذا الكائن أو رمي كلمة غير مناسبة عليه، في الوقت الذي نرى فيه ظاهرة انتشار أطفال الشوارع التي تملأ الأرصفة على مرأى من الجميع، بينما المجتمع المحلي والمؤسسات المعنية بالرعاية الاجتماعية عيونها معصوبة بمنديل أسود لا ترغب برؤية هؤلاء المشردين بلا مأوى ولا طعام ولا لباس يستر أجسادهم ويحميهم من برد الشتاء وحرّ الصيف، أقدامهم عارية تلامس حرارة الزفت صيفاً وبرودته شتاءً وأفواههم مفتوحة للريح تصفر معها جوعاً ومستقبلهم غامض مرفوضين حتى من ذواتهم!
نحن لسنا ضدّ حرية الآخرين، وبالتالي كل شخص يمتلك مساحة من الحرية تخوّله اقتناء ما يرغب وخاصةً ضمن منزله، لكن حبّذا لو يكون هناك إنصاف علماً أن المقارنة مرفوضة هنا، فما الضير لو أن البعض ملأ وحدته بطفل وإن لم يكن من صلبه يحميه من ظلمة الشوارع، وبالمقابل هذا الطفل يكون له عكازة في شيخوخته وسنداً في كسرته. جميل وجود حيوان أليف بيننا يسعدنا في ضحكة وخاصةً إن كنّا وحيدين، ما دام لدينا الفائض من النقود أو أسرة اكتفت بأولادها وأوصلتهم لهدفهم وبلغت من العمر حدّاً أرادت أن تُسلّي وحدتها بقطة أو كلب، ولكن الأجمل أن نحتضن طفلاً لا ذنب له، لعلّنا نجده إن تركنا الجميع سندنا الوحيد.