فقراء.. ونحلم

حسين خليفة:

الفقر لغةً هو العوز والحاجة، وتأتي أيضاً بمعنى الشق أو الحز، وفي موضوعنا هذا نقصد به المعنى الاول وهو الأكثر استخداماً في اللغة والأدب، فيما يستخدمه الأطباء لوصف نقص خضاب الدم مثلاً فيسمونه (فقر الدم)، وهو مرتبط غالباً بفقر الحال ونقص الغذاء تالياً.

قيل الكثير في الفقر والفقراء كظاهرة مرافقة للإنسان منذ أن نشأ المجتمع الطبقي، أي منذ أن أصبحت وسائل العيش بيد أناس يُشغّلون أناساً آخرين، ومنها هذه القصيدة التي نسبت إلى الإمام الشافعي:

يمشي الفقير وكل شيء ضدّه                                والناس تُغلق دونه أبوابها

وتراه مبغوضاً وليس بمذنبٍ                                ويرى العداوة ولا يرى أسبابها

وفي إنجيل لوقا على لسان السيد المسيح: طوبى لكم أنتم الفقراء، لأن لكم ملكوت الله… الويل لكم أيها الأغنياء، فقد نلتم عزاءكم.

ويقول الإمام الغزالي: الناس من خوف الفقر في فقر.

الأديان عموماً تُعزّي الفقراء وتعدهم بالتعويض في الحياة الآخرة، لكنها لا تقترب من أساس المشكلة لأن الأرزاق بيد الله وهو يوزعها بهذا التفاوت الكبير لغاية ربانية، لأن هذه الحياة دار امتحان وابتلاء، رغم أن متنورين وزهاداً في تاريخ الأديان أشاروا إلى لبّ المشكلة فقال الإمام علي: (ما اغتنى غني إلاّ بفقر فقير)، وقرن أبو ذر الغفاري الفقر بالكفر:( إذا سافر الفقر إلى مكانٍ ما قال الكفر خذني معك).

فيما يقول معلمنا ماركس إن الفقر هو نتاج طبيعي للمجتمع الطبقي الذي يقوم على تملّك فئة قليلة لوسائل الإنتاج، وتستغل السواد الأعظم من الناس الذين لا يملكون إلاّ قوة عملهم، وقال إنّ السر في فضل القيمة، والحلّ هو تملّك المجتمع لوسائل الإنتاج.

ولم يقل طبعاً إن ملكيتها يجب أن تؤول إلى دولة تتحول شيئاً فشيئاً إلى قاهر ومستغلّ بكسر الغين، وهو ما سُمّي لاحقاً برأسمالية الدولة، وقد تحوّلت أحزاب تحمل شعار الاشتراكية إلى تجمع للـ(مليونيرية) الجُدد بعد أن أمّموا وسائل الإنتاج لكن ليس للمجتمع بل لهم.

ويعزّي الفقراءـ ونحن منهم طبعاًـ أنفسهم بأن الغنى غنى النفس، والسعادة لا تأتي من المال، فكم من غني تعيس!

لكن أسألهم وأسألني: هل هناك فقير سعيد؟! مع أنّ مسالة السعادة والتعاسة مسألة نسبية وليست قياسية.

نعم، إن المال وحده لا يجلب السعادة بالضرورة، لكن الفقر يأتي بالتعاسة والمرض والبؤس والجهل.

الفقر في الناس كالبرد في الجسد أساس كل علّة..

وعلى سيرة البرد نذكِّر من لن يقرأ ولن يتذكّر بأنّ هذا العام سيكون عام الموت برداً لمن لم يمت قتلاً أو جوعاً أو قهراً من السوريين، فالمازوت أمل واهٍ للسوري بعد أن أعطته الحكومة خمسين لتراً على الورق ولم يأخذها الكثيرون بعد، وهي لا تكفي لأسبوع من شتاء صار على الباب، فيما يتوفر في السوق السواء التي لا تأتي ببضاعتها من السماء بل من المصدر نفسه الذي تقول الحكومة عنه بأنه شحيح وقليل ولا يكفي، ويباع اللتر منه بأكثر من ثلاثة آلاف ليرة، يعني أن راتبنا يشتري تنكة مازوت يا سيدنا ومولانا وحبيبنا!

تشير التقديرات لعام 2015 إلى أنّ 10 بالمئة من سكان العالم يعيشون على أقل من 1.9 دولاراً أمريكياً في اليوم، وهو حد خط الفقر حسب رأي الأمم المتحدة، وهذه النسبة تعادل حوالي نصف مليار إنسان حينذاك وحوالي المليار إنسان حالياً.

العبرة ليست هنا فقط، العامل السوري من الفئة الأولى يصل أجره الآن إلى أقل من دولار في اليوم، وبهذا فإننا نحن السوريين جميعاً، عدا فئة قليلة من تجار الحرب وداعميهم وحماتهم، نقبع تحت خط الفقر. شعب بكامله بحاجة إلى الغذاء والدواء والتعليم والنقل واللباس والسكن والتدفئة…. الخ، شعب بأكمله معرّض لإبادة صامتة وبطيئة أين منها إبادة الحروب والسلاح؟!

لن تأتينا الأمم المتحدة ولا الدول العظمى (الوحوش الضاريات) ولا الدول الإقليمية التي تتصارع على أرضنا، لن يأتونا بالحلول لمأساتنا، نحن فقط علينا أن نجترح الحل، وهو سهل وواضح وبسيط رغم وعورة الطريق إليه، إنه الحلّ السياسي القائم على تلبية إرادة السوريين جميعاً في بناء سورية جديدة ديمقراطية علمانية عادلة، خالية من الاستبداد والتفرد والإلغاء والتكفير والتخوين.

الفقر مأساة البشرية التي تبحث عن حلول لها لإنقاذ نسبة كبيرة منها من الانحدار إلى ما دون خط الفقر، لكننا هنا الآن علينا أن نبحث ونحثّ الخطا باتجاه حلٍّ ينقذنا جميعاً من هذه الهاوية القادمة، الهاوية التي ستبتلعنا جميعاً محكومين وحكاماً، وحينئذٍ لا وقت ولا مساحة لندم أو مراجعة.

العدد 1104 - 24/4/2024