موجة غلاء جديدة بدأت واحتكار يتفاقم

سليمان أمين:

بعد استقرار سعري للسلع الأساسية شهور الصيف الماضي، عادت الأسعار للارتفاع مرة أخرى مع بدء سياسة احتكار التجار لبعض المواد الضرورية والأساسية، في غياب تام للرقابة التموينية على الأسواق، رغم كل الوعيد والتوعد الذي تقوم به وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك، فقد شهدت الأسابيع الماضية ارتفاعاً في أسعار المواد الغذائية بفوارق جيدة، كما شهدت الأجبان والألبان والبيض ارتفاعات كبيرة دون أي تحرك يذكر لضبط الأسعار، إضافة إلى اختفاء بعض المواد الغذائية الأساسية وضآلة توفرها في الأسواق نتيجة الاحتكار سواء من المصانع وكبار التجار وغيرهم من ضعاف النفوس الذين مازالوا يبنون ثرواتهم من جيوب المواطنين وعلى حساب لقمة عيشهم.

وقد بدأت أزمة الغلاء الجديدة باحتكار مادة السكر، ما أدى لرفع سعره بمعدل 600 ليرة للكيلو الواحد وأكثر، فقد كانت تسعيرته وفق نشرات التموين لأواخر شهر آب الماضي 1800 ليرة سورية، ويباع اليوم بسعر متوسطي 2400 ليرة سورية مع ضآلة توفره في محلات البيع، وقد رفعت سعره السورية للتجارة لسعر 2200 للكيلو الواحد ويباع عبر البطاقة بمعدل 4 كيلو فقط للأسرة الواحدة، ونستنتج من ذلك أن سياسة التسعير التي تنتهجها وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك، تعتبر بالمنظور العام تشجيعاً للتجار لاحتكار المواد الغذائية من أجل رفع سعرها بما يتناسب مع رفع أرصدتهم البنكية على حساب لقمة المواطن، مع العلم بأن المواد الغذائية الأساسية تستورد وفق نشرة أسعار المركزي للدولار، وليس وفق سعر بورصة السوداء المتغيرة بشكل يومي. ويتبع السكر مادة الزيت النباتي في ضآلة توفره في مراكز ومحلات البيع، وارتفع بمعدل ما يقارب 2000 ليرة للكيلو الواحد بسبب احتكاره من قبل كبار التجار والشركات المصنعة والمستوردة بهدف رفع سعره، مع العلم بأن أجود أنواع الزيوت النباتية لا يتجاوز سعر الليتر في الأسواق العالمية دولاراً واحداً أي 2550 ليرة سورية، ولكن ماهي المواد التي ستلي السكر والزيت في الاختفاء من الأسواق خلال الفترة المقبلة من أجل رفع أسعارها وتثبيتها وفق ما يراه تجارنا (الأشاوس)، في تعاون واضح وكبير مع لجان التسعير في وزارة التجارة الداخلية، وقد أشار وزير التجارة الداخلية وحماية المستهلك عمرو سالم في تصريح له أمام ورشة سياسات الدعم الاجتماعي: ((اكتشفنا للأسف أن مديرية الأسعار في الوزارة تعمل لمصلحة التجار)) وقد تلا هذا التصريح قرارات وتغييرات في الوزارة نفسها، ولا نعلم ما إن كانت هذه التغيرات سوف تأتي بنتائج إيجابية أم ستكون كسابقاتها، فمن المفروض أن يكون هناك لجنة مختصة نزيهة تقوم بدراسة أسعار المواد المستوردة بدقة وتكاليف استيرادها وتسعيرها بوضع هامش ربح لا يظلم التاجر ولا المواطن، وقد اقترحنا مسبقاً في أعداد سابقة من صحيفة (النور) بمنح إجازات استيراد لمن يريد من التجار، لا تخصيص ووضع بعض السلع والمواد بيد تاجر واحد كحال السكر والمته والدخان والأعلاف و غيرها من المواد الأخرى، ما ينعكس بشكل سلبي كبير جداً على واقع السوق السورية وعلى حياة المواطنين الذين لا حول ولا قوة، فلم يعد بمقدورهم أن يشتروا غذاءهم، ولا حتى دواءهم.

كما أدى رفع سعر الأعلاف إلى كارثة سعرية أيضاً في رفع أسعار الألبان والأجبان بفوارق سعرية كبيرة، إضافة إلى بيض المائدة الذي وصل سعره إلى حدود 10 الآف ليرة سورية للصحن الواحد دون أي تدخل من قبل حماية المستهلك لتخفيض سعر البيض، ومن الأسباب الهامة في رفع أسعار الألبان والأجبان عدم توفر مادة الغاز الصناعي، فقد تجاوز سعر أسطوانة الغاز المنزلية لحدود 80 ألف ليرة سورية في السوق السوداء، ما جعل الكثير من أصحاب محلات تصنيع الألبان والأجبان يغلقون محلاتهم، وقد رفعت المباقر ووحدات التصنيع التابعة للحكومة أسعار منتجاتها أيضاً، وما زالت أسعار المشتقات الحيوانية تسجل ارتفاعات جديدة باستمرار دون وجود أي ضوابط سعرية تلزم الوحدات المصنعة بتسعيرات ثابتة، وإن بقي الحال دون وجود آليات جديدة لمعالجة واقع أزمة الغاز والكهرباء وغيرها من المواد الأساسية التي تحتاجها وحدات التصنيع فإن الوضع ذاهب لكارثة أكبر بالنسبة لفقدان الألبان والأجبان، الذي سيؤدي لارتفاع أسعارها أكثر.

 

ختاماً

التحدي الأكبر الذي يمكن أن يمثل أهم البدائل أمام الحكومة هو أن تقوم بعمليات حقيقية لمكافحة الفساد المنتشر في أروقتها، إضافة إلى تبنّي برامج تنموية تنتشل الفقراء من الواقع الاقتصادي والاجتماعي المؤلم، ووضع سياسات سعرية مدروسة وواضحة ومحاسبة من يرفع أي سلعة أو يحتكرها بعقوبات قاسية وصارمة، ليتعلم الباقي أن هناك قانون دولة ناظم يحكم الجميع وبهذا نصل لنتيجة يتحسن فيها الوضع المعيشي ويعالج الواقع المزري الذي يعيشه السوريون في القاع الموحل، والذي ينذر بواقع أسوأ بموجات سعرية أكثر ارتفاعاً وسيؤدي لكارثة مجتمعية أكبر مما نحن عليه اليوم فالجوع كافر كما غناها ولحنها زياد الرحباني.

العدد 1102 - 03/4/2024