الأدوية بين الاحتكار وغياب الرقابة الدوائية

سليمان أمين:

يعاني السوق الدوائي في سورية، في الفترة الأخيرة، من تخبطات كبيرة، وتحول الصناعة الدوائية إلى تجارة لحقت ببورصة السوداء وتسعيراتها المتأرجحة، وقد أدى هذا التخبط إلى فقدان الكثير من الأدوية والعقاقير الأساسية التي لا يمكن للمواطنين الاستغناء عنها، ويعود ذلك لأسباب أهمها توقف بعض مصانع الأدوية عن الإنتاج، لإجبار الحكومة على رفع أسعار الأدوية وفق منظورهم التجاري البحت لا الإنساني الذي خلقت لأجله، والسبب الآخر احتكار أصحاب المستودعات لكثير من الأصناف وبيعها عن طريق بعض الصيدليات بأسعار عالية، فالمضطر لاستعمال الدواء مجبر على الشراء حتى ولو بعشرة أضعاف السعر الموضوع من قبل وزارة الصحة، مع العلم بأن الوزارة رفعت أسعار الأدوية وفق نشرة أسعار المركزي في حزيران الماضي بمعدل 30 – 40% ولكن التسعيرات الجديدة لم ترضِ أصحاب مصانع الأدوية والمستودعات، وقد طالبوا برفع أسعار جديد لما يقارب 155 صنفاً من الأدوية ولم يتم الاستجابة لمطالبهم، ومن المعلوم بأن الصناعات الدوائية و المواد الأولية تمول من قبل المركزي، وهي مستثناة من العقوبات المفروضة على سورية.

أغلب الأصناف الدوائية الهامة غائبة اليوم بشكل تام عن الصيدليات، وأهمها أدوية الالتهاب والمضادات الحيوية  مثل زمرة البنسلينات وزمرة المكروليدات وسيفالدسبورينات، إضافة إلى مميعات الدم وبعض أصناف أدوية القلب مفقودة تماماً مثل الوالفرين، ويضاف إليها مراهم التحسس والفطور كالتريديرم، وأدوية رشح الأطفال تعاني من قلة توفرها وشبه فقدانها إن لم تتخذ الوزارة إجراءات تجبر أصحاب المصانع على توفيرها وخصوصاً نحن مقبلون على فصل الشتاء الذي تكثر فيه حالات الأنفلونزا والكريب والالتهاب لدى الأطفال وطلاب المدارس، في ظل جائحة كورونا القاتلة التي بدأت ترتفع نسبة الإصابات فيها بشكل كبير.

كما أن مرضى القولون ومتلازمة القولون العصبي والمعدة وغيرها من الحالات التشنجية المعوية يعانون من عدم توفر أصناف الدوسبالين وأدوية التشنج المعوي بشكل نهائي في الصيدليات.

من خلال جولة لنا على عدد من الصيدليات في مدينة اللاذقية وسؤالنا عن الأدوية المفقودة وأسبابها كان جواب معظم الصيادلة: نعاني منذ عدة أشهر من انقطاع أدوية القلب والضغط والسكري، ونضطر للتعامل مع أكثر من شركة لتأمين الدواء المطلوب، وأرجع الصيادلة الذين قمنا بالتحدث معهم السبب الرئيسي لانقطاع الأدوية من الصيدليات إلى ارتفاع أسعارها، فلم يعد بمقدور المواطن شراء علبة كاملة من الدواء، ولهذا يضطر لشرائها جزءاً جزءاً (بالظرف).

أين وزارة الصحة مما يحدث في قطاع الدواء!؟

ألم يعد لديها القوة لفرض سيطرتها على السوق الدوائي وفرض عقوباتها على معامل الأدوية التي توقفت عن الإنتاج؟ ألم يعد بمقدورها تنفيذ رقابتها على مستودعات الأدوية وإجبارهم على تغذية السوق بالأصناف المقطوعة، فمن المعلوم بأن سياسة الاحتكار التي يلجأ لها تجار الأدوية باتت مكشوفة وواضحة، فهم يترقبون كالعادة رفع سعر الأدوية لمضاعفة أرباحهم حالهم حال تجار المواد الأخرى في السوق السوداء، فأين اللجان الرقابية على هذه المستودعات؟ وماذا تفعل؟ أسئلة نتركها برسم الحكومة ووزارة الصحة عسى أن تستيقظ من سباتها، وتنظر إلى حالة المرضى والمواطنين الذي بقوا بلا دواء اليوم، ولجأ الكثير من المواطنين بسب فقدان الدواء إلى العطارين وأشباههم من بائعي الأعشاب والأدوية الشعبية، باحثين فيها عما يسكّن وجعهم ويداوي ألامهم، وقد أدى هذا إلى نشاط تجار محلات العطارة واستغلال الأزمة في رفع تسعيراتهم التي حلقت لأرقام قياسية، والذين لا يخضعون لرقابة صحية أبداً.

ختاماً

السوريون اليوم بحاجة ماسة للدواء في ظل عاصفة رفع الأسعار الهائلة للأدوية، فهل تتخذ الحكومة ووزارة الصحة الإجراءات الإسعافية لإنقاذ الوضع وتأمين الأدوية في الأسواق، بإجبار أصحاب المصانع على العمل، وفرض عقوبات قانونية ومالية قاسية على من يوقف تصنيع الأدوية اللازمة لتغطية السوق، وكذلك فرض غرامات مالية وإغلاق أي مستودع يحتكر الدواء، هل تفعلها وزارة الصحة أم أن السوريين بانتظار قرار نشرة أسعار جديدة بأرقام قياسية ترضي بها أصحاب مصانع الأدوية والمستودعات على حساب المواطنين كما عودتنا؟

سؤال ننتظر الإجابة عليه في الفترة القادمة.

العدد 1102 - 03/4/2024