هل نستطيع نشر ثقافة التميز بين الأفراد؟
ريم داود:
سورية وما أدراك ما هي سورية؟ من لا يعرف ما هي سورية لا يعرف التميز والإبداع، قد يغفل الكثيرون عن تاريخها وحضارتها فيعرف عنا الغالبية الدمار والحروب واللاجئين السوريين الذين جابوا بقاع الأرض. منها ظهرت الأبجدية الأولى، ومنها نبعت النوتات الموسيقية، في ترابها نبت الزيتون والياسمين، ومن أرضها بزغ المخترعون والعباقرة والفنانون أمثال ستيفن جوبز، ورائد الفضاء محمد فارس، والشاعر الكبير نزار قباني وغيرهم من المبدعين والمتميزين.
تُعدُّ صفة التميّز سمة إيجابية ومهارة جيدة تدفع بصاحبها نحو إجراءات جديدة مغايرة ومتباينة، فالتميّز صفة إيجابية تساعد الإنسان على التفكير بعقلانية والتفوق وامتلاك الصدارة، كما تعمل على تنمية صفة القيادة لدى الإنسان. وفي البحث عن مفهوم التميّز نجد علم النفس الاجتماعي يوضح هذا المفهوم على أنه صفة تسمح للناس بتحقيق الرضا عن تخصصهم الحالي، كما أنها تؤدي إلى التنوع ضمن المجتمع الواحد، وبالتالي فهو يتيح المجال للناس في إنتاج معارف ومعتقدات وقيم جديدة مبتكرة وإبداعية قد تكون مفيدة في حل المشكلات. ويُعدُّ التميّز والإبداع من السلوكيات المكتسبة وليست الوراثية، يكتسب الإنسان هذه الصفة من البيئة المحيطة به إن توافرت له العوامل التي تساعد على التميز والإبداع (كالتحفيز والتشجيع والعلم) فالعمل على خلق جيل متميّز مبدع مبتكر يساعد على الارتقاء بالمجتمع ودفعه للحاق بركب الدول المتحضرة.
- أهمية التميز والابداع: ممّا لاشك فيه أن الشخص المتميّز يحمل صفات وسمات لا يمكن غض الطرف عنها، ويظهر ذلك جلياً للعلن من خلال تحلي ذاك الإنسان بثقة عالية بالنفس وقدرة على تحقيق أحلامه فضلاً عن روح التحدي التي يخلقها التميّز داخل الفرد، فالإبداع يجعل من الإنسان شخصاً منفتحاً مرن التفكير بما يمكنه من حل المشكلات. كما يتيح التميّز لفئة الأطفال والشباب مجالاً واسعاً للمساهمة في تطوير المجتمع الذي يعمل على تقديم الخير للوطن ويعود على الدولة بالاستقرار والنهضة والإنتاج. واللافت في الأمر أننا ومنذ ثلاث سنوات تقريباً وربما أكثر بدأنا نشهد ونلاحظ تفوق السوريين اللاجئين في الخارج، عناوين تتصدر الصحف والمجلات وأسماء تملأ وسائل التواصل الاجتماعي، أطفال غدوا شباباً وشباب باتوا رجالاً منتجين والأمثلة عنهم كثيرة.
والسؤال هنا: لماذا لم يبدع هؤلاء في بلدهم الأم؟ وهل ظهرت قدراتهم بشكل مفاجئ؟ أم أن هناك من صقلها واعتنى بها لتصل إلى مرحلة الذروة والنضج؟ أسئلة تراود مخيلاتنا حين نشهد ألمانيا تجني ثمار استقبالها للاجئين السوريين وفق منافسة كبيرة على المبدعين منهم، وبحسب صحيفة (واشنطن بوست) فإن هناك عشرات الآلاف من اللاجئين السوريين الذين انخرطوا في سوق العمل من خلال بوابة التدريب المهني الذي صُمِّم خصيصاً لهم، وتستفيد ألمانيا بشكل كبير من التركيبة الديموغرافية للوافدين خاصة وأن حوالي ٦٠% منهم من عمر ٢٥ وما دون، فضلاً عن تميّز معظمهم في مجالات مختلفة على صعيد العلم والعمل. والسؤال الآخر هنا أيضاً، ما الذي حال دون اكتشاف هؤلاء الأشخاص واستغلال طاقتهم وقدراتهم قبل أن يغادروا؟ ولكي نسلّط الضوء بشكل أوضح على هذه الإشكالية لابدّ أن نعي وندرك بعض المعوقات التي تقف في وجه التميّز والإبداع، وتحول دون وصول الأفراد إليه كافتقار الفرد للطموح الذي يقوده للسعي نحو تحقيق أهدافه وعدم وجود أهداف واضحة أمام الإنسان. كذلك نجد أن الخوف من العادات والتقاليد التي تحكم المجتمعات وخاصة العربية منها تعوق إبداع غالبيتهم، فضلاً عن الإهمال وعدم التشجيع واعتبار أي فكرة بديلة أو جديدة على أنها سخافة وتفاهة ضمن بعض المجتمعات مما يدفع بالفرد نحو الخوف والتراجع. لكن الشيء الأكيد والمجزوم به أن هؤلاء المتميزين والمبدعين حازوا على اهتمام ورعاية من الدول المضيفة لهم، كما أنهم حصلوا على إيمان منها بقدراتهم وطاقاتهم، فظهر منهم ما ظهر، إذ يحتاج الإبداع والتميّز إلى توافر مناخ مخصص له كالرعاية والاهتمام، توفير مستلزمات الإنسان من علم وتقنيات وأبحاث، وتوفير جو من الراحة والأمان، وأهم من ذلك كله الإيمان بذلك الفرد ودعمه للوصول إلى مبتغاه.
أما خلاصة القول فمفاده أن الإنسان كل إنسان لديه من القدرات ما أنعم عليه الله بها وخصّه دون غيره من طاقات كامنة وقدرات غير مكتشفة يلزم لاستغلالها التحلي بروح التحدي والمنافسة، إضافة إلى توفّر مناخ مناسب يسمح بظهور هذا التميّز ووصوله نحو القمة.