محكومون بالأمل!

محمود هلال:

يعيش المواطن السوري هذه الأيام حالة من القلق والخوف، وذلك نتيجة الأوضاع المعيشية الصعبة وتردّيها بعد مضي عشر سنوات من الحرب وما خلفته من دمار وحصار وجوع وفقر وتهجير. لكن لم يفقد المواطن الأمل بأن تتغير الظروف وتتحسن الأحوال، وبقي متمسكاً بأرضه ووطنه عسى القادم من الأيام أن يحمل له الخير والبركة، وكما يقال:

ما أصعب العيش لولا فسحة الأمل!

لا شك أن الخوف هو حالة طبيعية ونفسية عند جميع الكائنات الحية وموجودة عند الإنسان منذ ولادته، وللخوف أنواع وحالات متعددة.. يخاف الأطفال من الظلام والأشباح واللصوص والحيوانات المفترسة، ومن الأشخاص الغرباء ومن فقدان الأهل ومن المدرسة ومن الأطباء ومن النار ومن كثير من الأمور.. والكبار أيضاً يخافون وخوفهم يكون أصعب من خوف الصغار.

يمكن القول إن جميع الكائنات الحية تخاف من الموت بالدرجة الأولى، وتناضل من أجل البقاء على قيد الحياة والحفاظ على ذاتها.

الموظفون وأصحاب الدخل المحدود يخافون من تلاشي الراتب وفقدانه منذ بداية الشهر ويخافون من الدائنين، وكيف سيوزعون الراتب (مقصوف العمر) على الأكل والشرب والكساء والدواء وفواتير الماء والكهرباء والصرفيات والنثريات التي لا يعلمون من أين تأتيهم.. ويخافون أن لا يجدوا مديناً لهم في آخر الشهر، وممن سيستلفون على الراتب، وهاجس الخوف يلازمهم طيلة أيام الشهر من تدني مستوى المعيشة أكثر نتيجة الغلاء وارتفاع الأسعار الجنوني، ويخافون من ارتفاعها أكثر ومن ثبات الرواتب والأجور وبقائها على حالها، إذ أصبحت الفجوة كبيرة جداً بين الأسعار والأجور، الأمر الذي يشكل حالة خوف ورجفان في القلب عندهم طيلة أشهر السنة.

ويخافون أيضاً من استمرار أزمة المواصلات والازدحام والانتظار لساعات طويلة في الطرقات للوصول إلى أماكن عملهم، وكذلك في رحلة العودة إلى منازلهم خاصة بعد رفع سعر المازوت، الذي أدى إلى توقف الكثير من وسائل النقل عن العمل، فضلاً عن الأسعار الخيالية التي يطلبها السائقون وأصحاب السيارات الخاصة والتاكسي ولو لمشوار قصير.

خريجو الجامعات العاطلون عن العمل خائفون أن لا تأتيهم فرصة عمل تقيهم شر العوز والحاجة، وتبدد مخاوفهم من أن يبقوا عالة على أهاليهم طول العمر.

المواطنون الآن باتوا يخافون من حلول فصل الشتاء، يخافون البرد والصقيع والثلوج خاصة بعد أن رفعت الحكومة سعر المازوت إلى 500 ل. س لليتر الواحد وقلصت كميات الدفعة الأولى إلى 50 ليتراً، وهي لا تكفي سوى عدة أيام خاصة في المناطق الباردة، ويخافون أيضاً أن لا يكون هناك دفعات أخرى ويخافون من انقطاعها ومن غلاء أسعارها.

ويخافون من تجار السوق السوداء الذين يتحكمون بالأسعار، وقد بدأ المتاجرون بالمازوت برفع السعر منذ الآن ونحن مازلنا في فصل الصيف، فأجارنا الله من برد الشتاء وكما يقال البرد هو سبب لكل علة، الناس يخافون المرض، وباتوا يخشون زيارة الأطباء، إذ إن مراجعة الطبيب تخرب البيت، فمعظم الأطباء أصبحت كشفياتهم مرتفعة، وكذلك وصفات الدواء التي تكسر الظهر، وعادة في الشتاء المرض يكون جماعياً وتمرض الأسرة دفعة واحدة!

بقي نوع آخر من الخوف، وهو الخوف من المجهول، وهو حالة الشريحة العظمى من الناس هذه الأيام، ولكن يبقى الخوف الأخطر هو أن نغيب العقل والعلم ونعتمد على تنبؤات وتوقعات المنجمين الذين يتنبؤون بكل شيء يخص أحوال البلاد والعباد من حرب وسلم وسياسة واقتصاد وطقس وكوارث وغيرها خلال العام، لكن رغم كل هذا الخوف نبقى نحن على حد قول الراحل سعد الله ونوس محكومين بالأمل، وأن تعمل الحكومة الجديدة على ترجمة شعار المرحلة الحالية الأمل بالعمل إلى واقع ملموس يبدد كل مخاوف المواطنين في الأيام القادمة.

العدد 1102 - 03/4/2024