أزمات دورية

د. أحمد ديركي:

يصاب نمط الإنتاج الرأسمالي بأزمات دورية. والأزمة تعني، بشكل مبسّط، وجود عامل يتسبّب بخلل في عمل النظام، وهذا العامل قد يكون داخلياً وقد يكون خارجياً، كما يمكن أن يكون داخلياً وخارجياً بشكل متزامن أو ناتج عن أحدهما. فعلى سبيل المثال جسم الإنسان، باعتباره كائناً حياً، نظام بيولوجي له آلية عمل داخلية متأثرة ومؤثرة في الوقت عينه بالمحيط الخارجي. يعمل بشكل طبيعي عندما تكون الظروف الداخلية والخارجية متناسقة وطبيعية. والعمل هنا دائماً تطوري، ولكن للتطور حد معين ومن بعده يصل إلى حالة الوفاة. إن استجد عامل خارجي، ويمكن أن يكون مثلاً فيروس كورونا، يدخل إلى الجسم البيولوجي ويسبب خللاً في آلية عمله، وقد يؤدي إلى توقف عمل الآلية برمتها، ما يسبب وفاة الجسم البشري. يحدث هذا إن لم يعالج الأمر ويُقضى على الفيروس الذي دخل الجسم وتسبّب بكل هذه الأزمات. وقد يكون العامل داخلياً، على سبيل المثال الخلية السرطانية. فالسرطان ليس بعامل خارجي، أي ليس بجسم غريب يدخل إلى الجسم البشري ويسبب خللاً في نظامه.

وهذا ما يمكن أن ينطبق على نمط الإنتاج الرأسمالي. فهو نظام قائم على ثلاثة أبعاد: اقتصادية، واجتماعية، وسياسية، متشابكة لتمثل هذه الأبعاد الثلاثة هذا النمط، أو ما يعرف بالنظام الرأسمالي. نظام يتطور مع مرور الوقت ليتخطى ما يواجهه من عوامل داخلية او خارجية أو كلاهما قد يؤديان إلى حالة وفاته. هذه أزمات النظام الرأسمالي. قام العديد من الباحثين، وتحديداً الاقتصاديين، وأكثر تحديداً منظري الاقتصاد الرأسمالي، بدراسة هذه الأزمات لمعرفة أسبابها ومحاولة معالجتها كي يبقى النظام حياً. لكن جلهم ركز على العوامل الاقتصادية وعند انتهاء الأزمة يتناسون أن هناك أزمة قادمة.

من أهم من درس الأزمات في النظام الرأسمالي هم الماركسيون، معتمدين في دراساتهم على الفكر الماركسي – اللينيني وما أُضفَ إلى هذا الفكر فتطور مع تطور النظام الرأسمالي كي يستطيع مواكبة مستجداته.

كارل ماركس وفردريك إنجلس تحدثوا عن الأزمات الدورية في النظام الرأسمالي، ثم أتى لينين وكانت هناك روزا لوكسمبورغ وما أضافته إلى دراسة الأزمات الدورية، وكان هناك كاوتسكي وكوندراتيف وغيرهم. درسوا الأزمات التي تصيب النظام الرأسمالي، وفي الوقت عينه محاولين معرفة مدى تكرارها زمنياً وفعاليتها في بنية النظام.

حالياً النظام الرأسمالي مصاب بأزمة منذ عام 2008 ولم يستطع أن يتخطاها حتى تاريخه، وظهر كثير من الماركسيين المتفائلين بأنها هذه هي الأزمة التي سوف تقضي على النظام الرأسمالي! وها نحن أولاء في عام 2021 ولم يمت النظام، ويبدو أن عمره أطول مما اعتقد هؤلاء المتفائلون الماركسيون. فالمسألة ليست تفاؤلية ولا تشاؤمية بمقدار ما هي دراسة معمقة لمعرفة مدى قدرة النظام الرأسمالي على تخطي الأزمات ومدى عمق هذه الأزمة، وهل مسبباتها داخلية أو خارجية أو كلاهما! فلنجدّ في دراسة هذه الأزمة كما جدّ من سبقنا لمعرفة مدى عمقها وما هي مسبباتها ودور الأحزاب الشيوعية والطبقة العاملة في التعامل معها.

العدد 1104 - 24/4/2024